المفعول الثاني لكان مدحا لهم ، وإنما يهجوهم بالبيت ويصف أنهم لا يسعون في شيء من المكارم ولا يجهدون أنفسهم في طلب ، ولكن يكفيهم من ذلك التنعم بلبس حر الثياب والشبع من الطعام كقول الحطيئة :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فأنت لعمري طاعم كاسي (١) |
وأنشد للأعشى :
* أأن رأت رجلا أعشى أضربه |
|
ريب المنون ودهر تابل خبل (٢) |
" فأن" مع ما بعدها بمنزلة المصدر وهي مخففة من الثقيلة وموضعها نصب على المفعول له ، والتقدير : " ألأن رأت رجلا".
واللام متصلة بفعل مضمر دل عليه ما قبله وهو قوله :
صدت هريرة عنا ما تكلمنا
فتقديره : " ألأن رأت رجلا أعشى صدت"؟
وأنشد لأبي حية النميري :
* وإنا لمما نضرب الكبش ضربة |
|
على رأسه تلقي اللسان من الفم (٣) |
استشهد به على أن مما بمنزلة" ربما" ، وهي مركبة من : " من" و" ما".
وذكر سيبويه عن الفصحاء من العرب أنهم يقولون :
" لحق أنه ذاهب" بإضافة" حق" إلى" أنه". وإضافته إليه توجب أنهما اسم واحد مبتدأ وخبره محذوف ، ومثله : ليقين ذلك أمرك وأبعده الأخفش لحذف الخبر ثم أجازه على ضعف.
وإنما مثله سيبويه : بيقين ذلك ، لأن قولك : زيد منطلق حقّا ويقينا يتقارب معناه ، و" حق أنه ذاهب" ، في التقدير : " حق ذهابه" ، ومعناه : ذهابه حق صحيح حسن حذف خبره لتضمن الأول الاسم والخبر ، كما حسن حذف خبر : " حسبت أن زيدا قائم" لتضمن : أن الاسم والخبر.
وذكر سيبويه" عسى" وبين أن وجهها أن تستعمل" بأن" ، وإنما كان ذلك لأنها
__________________
(١) ديوان الحطيئة ٥٠. شرح الشواهد ١ / ٤٧٥.
(٢) ديوانه ٤٢ ، الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٤٧٦ ، ١٦٧) المقتضب ١٥٥ ، شرح النحاس ٣٠٥ ، شرح / السيرافي ٤ / ٥٨٥ ، ٥٩٢ ، / شرح ابن السيرافي ٢ / ٧٥ ، الإنصاف ٢ / ٧٢٧ ، شرح المفصل ٣ / ٨٣ ، اللسان (تبل) ١١ / ٧٦ ، (منن) ١٣ / ٤١٦.
(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٧٧ ، المقتضب ٤ / ١٧٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٥٨٦ ، المسائل البغداديات ٢٨٧ ، ومغني اللبيب (٤٠٩ / ١ ، ٤٢٤) ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٣٨ ، الهمع ٢ / ٣٥ ، الخزانة ١٠ / ٢١٤.