فشبه" كأن" بفعل محذوف لا يتغير عن عامله تامّا.
والوريدان : حبلا العنق. والرّشاء : الحبل ، والخلب : ليف النخل. والرفع إذا خففت" كأن" أجود ، ويضمر اسمها فيها لأنها" أن" دخلت عليها" كاف" التشبيه ، و" أن" إذا كانت مفتوحة لم تقع أولا في موضع المبتدأ فتجعل ما يليها مبتدأ ، وتجعل" أن" ملغاة كإن إذا كسرتها وخففت ، لأن المكسورة تدخل على المبتدأ وتؤكده ، فإذا ألغيت ولم تعمل ، فما بعدها مبتدأ واقع موقعه من الكلام.
ومعنى قوله : لنصبوا كما ينصبون إذا اضطروا في الشعر بكأن إذا خفّفوا يريدون معنى" كأن" ، ولم يريدوا الإضمار.
إن قال قائل : أي ضرورة إلى النصب تقع والوزن فيه وفي الرفع واحد؟ قيل له : إنما أراد إذا اضطروا إلى التخفيف ولم يريدوا إضمارا ، وسبيل ذلك سبيل ما خفف من الفعل في اللفظ ولم يتغير عمله ، كقولك : لم يك زيد قائما وما أشبهه.
هذا باب آخر تكون أن فيه مخففة
اعلم أن العلم واليقين والمعرفة وما جرى مجراها من أفعال التحقيق مختص بهن" أنّ" المشددة الناصبة للأسماء ، وإنا خصت بها ، لأن المشددة ـ المفتوحة بمنزلة" إنّ" المكسورة في باب التوكيد والإيجاب ، وما اختص بالإيجاب لا يدخل عليه ما ينقص دلالته على الإيجاب.
فلم يدخل على" أنّ" المشددة : رجوت واشتهيت وبابها ؛ لأن هذه الأفعال يجوز أن يوجد ما بعدها وأن لا يوجد ، فوقعت على" أن" المخففة التي لا توكيد فيها ولا مضارعة لما يوجب التوكيد.
واعلم أن من الأفعال ما يكون فيه تأويلان : أحدهما : الإيجاب والآخر : غيره فيجوز فيه أن تكون" أن" بعده بالتشديد ، أو التخفيف بتأويل التشديد ورفع الفعل بعده.
ويجوز أن تكون بعده ناصبة للفعل ، وذلك : ظننت وخلت ـ وحسبت و" رأيت" من رؤية القلب ، وفيها تأويلان :
أحدهما : تأويل العلم واليقين والمعرفة ، لأن الظان قد أثبت في ظنه ما ظنه واعتقده ، وعنده أنه حق كما يعتقده العالم في ما علم أنه حق ، فعلى هذا التأويل تجري" أن" بعد هذه الأفعال مجراها بعد العلم.
والتأويل الثاني : في هذه الأفعال : أنها أفعال وقعت في القلب واعتقدها صاحبها بغير دليل ولا برهان ، وعلم أن ذلك الاعتقاد ـ لما كان بغير دليل ـ يجوز أن يكون معتقده يصح ويجوز أن لا يصح ، فصار بمنزلة : خشيت و" خفت" فعلى هذا التأويل تكون أن بعد هذه الأفعال ناصبة للفعل ، كما كانت بعد : خشيت وخفت.