قال سيبويه : " وتقول : ما أدري أقام أو قعد؟ إذا أردت أنه لم يكن بينهما شيء".
كأنه يقول : لا أدعي أنه كان منه في تلك الحال قيام ولا قعود ، أي : لم أعدد أعدد قيامه قياما ، ولم يستبن لي قعوده ، فصار بمنزلة ما لا قيام له يعرف ولا قعود. فكأنه قال : ما أدري أكان منه أحد هذين ، وإذا أيقن بكون أحد الأمرين منه وشك فيه عينا ، قال : " ما أدري أقام أم قعد" فهذا قد علم أن أحد الأمرين منه كائن ولا يعرفه بعينه.
هذا باب أم منقطعة
قد تقدم أحد وجهي أم في الباب الذي يلي هذا.
والوجه الثاني : أن تكون منقطعة مما قبلها ومنزلتها منزلة الألف إذا اتصلت بكلام قبلها ، إلا أن" الألف" تكون ابتداء و" أم" لا تكون ابتداء لأنها للعطف.
ففي الوجه الأول : تعطف شيئا على شيء وهما من جملة واحدة. وفي الوجه الثاني : تعطف جملة على جملة ، إلا أن الثاني منقطع من الأول ، ولا يكون ما بعدها إلا كلاما تاما.
وقد شبه النحويون" أم" في هذا الوجه ببل ، ولم يريدوا بذلك أن ما بعد" أم" محقق كما يكون ما بعد" بل" محققا ، وإنما أرادوا أن" أم" استفهام (مستأنف) بعد كلام يتقدمها ، كما أن" بل" تحقيق ـ بعد كلام ـ مستأنف يتقدمها.
واعلم أنه إذا كان بعد" أم" حرف الجحد الذي هو نقيض ما قبله ، فمعناها ومعنى" أو" سواء ، وذلك قولك : " أعدك زيد أم لا؟ فأم" منقطعة كأنه حين قال : أعندك زيد؟ كان يظن أنه عنده ، وسأل عنه وحده ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس عنده ، فقال : " أم لا"؟.
والدليل على أنها منقطعة : أن السائل لو اقتصر على قوله : " أعندك زيد؟ "
لاقتضى استفهامه عن ذلك أن يقال له : " نعم" أو" لا" فقوله : " أم لا" : مستغني عنها في تتميم الاستفهام الأول ، وإنما يذكره الذاكر ليبين أنه عرض له الظن في نفي أنه عنده ، كما كان عرض له الظن في أنه عنده ، و" أو" تقتضي هذا المعنى ، فلذلك استوت" أم" و" أو" فيه.
ويدخل في هذا المعنى ما حكاه الله جل وعز عن فرعون من قوله :
(أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا) [الزخرف : ٥١ ـ ٥٢] لأن قوله : " أم أنا خير" بمنزلة قوله : " أم تبصرون ، أم أنا" ، على ما بينه سيبويه وبالإيجاب ، بأحد الأمرين في المسألة الأولى ، وذكر" أم" بعدها كالتوكيد المستغنى عنه. ألا ترى أن قوله : أفلا تبصرون يستدعي السائل به أن يقال له : " لا تبصر" أو" تبصر" ، كأن فرعون ظن أولا أنهم لا يبصرون ثم أدركه ظن أنهم يبصرون على نحو ما ذكرناه في ما قبله.
وقال أبو زيد : " أم" زائدة في هذا الموضع ، ولم يقله غيره من النحويين وأما ما أنشده سيبويه للأخطل :