أراد : ما لي الليلة؟ مستفهما.
ومن ذلك أن كاف التشبيه لا يتصل بها مكني في الكلام ، وإنما يجوز ذلك في الشعر.
قال العجاج :
* وأم أوعال كها أو أقربا (١)
باب التقديم والتأخير
اعلم أن الشاعر ربما يضطر حتى يضع الكلام في غير موضعه الذي ينبغي أن يوضع فيه ، ويزيله عن قصده الذي لا يحسن في الكلام غيره ، ويعكس الإعراب ، فيجعل المفعول فاعلا ، والفاعل مفعولا ، وأكثر ذلك في ما لا يشكل معناه.
فمن ذلك قول الأخطل :
* مثل القنافد هداجون قد بلغت |
|
نجران أو بلغت سواتهم هجر (٢) |
أراد : بلغت نجران سواتهم أو هجر ، فقلب الإعراب ؛ لأن المعنى لا يشكل.
ومن ذلك تأخير المضاف إليه عن موضعه ، والفصل بينه وبين المضاف بالظرف وحرف الجر تشبيها بأن وأخواتها حيث فصل بينها وبين اسمها بالظرف.
قال ذو الرمة :
* كأن أصوات من إيغالهن بنا |
|
أواخر الميس أصوات الفراريج (٣) |
ومما وضع غير موضعه قول الشاعر :
* صددت فأطولت الصدود وقلما |
|
وصال على طول الصدود يدوم (٤) |
ووجه الكلام : وقلما يدوم وصال على طول الصدود ؛ لأن «قل» قبل دخول «ما» حكمها ألا تليها الأفعال لأنها فعل ، فأدخلوا عليها «ما» ليوطئوها للفعل ، فلما اضطر ، قدم الاسم الذي كان يقع بعد «قل» قبل دخول «ما» وإذا قلت : قلما يدوم وصال : فإن «قل» لم تزل عن فعليتها ، غير أن الذي يرتفع بها «ما» ، وهي اسم مبهم تجعل في هذا الموضع للزمان ، فكأنه قال : قل وقت يدوم فيه وصال. ويحذف العائد ، كما قال الله عز وجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة ٤٨].
__________________
(١) المسائل العسكرية ١٣٧ ، شرح السيرافي ٢ / ١٥٥ ، شرح الأعلم ١ / ٣٩٢.
(٢) شرح النحاس ٢٣٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٥٨ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٨٧ ، المسائل العسكرية ١٦٦.
(٣) شرح الأعلم ١ / ٩٢ ، ٢٥٦ ، ٣٤٧ ، المقتضب ٤ / ٣٧٦ ، إعراب القرآن ٢ / ٦٨١ ، شرح النحاس ٤٣ ـ ٢٠٧.
(٤) شرح الأعلم ١ / ١٢ ، المقتضب ١ / ٨٤ ، شرح النحاس ٢٩٩ ، شرح السيرافي ٢ / ١٨٠.