واعلم أنّ الأصل أن يقال في جمع" جمعاء" و" كتعاء" : جمع وكتع على قياس حمراء وحمر ، وشهباء وشهب ، غير أنهم عدلوا عن جمع وكتع إلى جمعاء وكتعاء ، لأن هذا لا يستعمل إلا معرفة ، وباب حمراء يستعمل معرفة ونكرة ، فشبهوه في جمعهم إياه بباب الأفضل والفضلى والفضل ، والطّولى والطول ، وهذا لا يستعمل إلا بالألف واللام فلما كان : جمع وكتع معرفة بغير ألف ولام صار كالفضل والطّول ، واجتمع فيه علتان : العدل والتعريف فلم ينصرف.
واعلم أن" أحاد وثناء" معدول اللفظ والمعنى ، وذلك أنك إذا قلت مررت بواحد أو اثنين ، أو ثلاثة وإن كانوا ألوفا.
والمانع من الصرف أنه صفة ومعدول.
وقال بعضهم عدل في اللفظ والمعنى فصار كأنّ فيه عدلين ، وقد تقدم شرح ذلك.
وذكر الزجاج أنّ القياس لا يمنع أن يبنى منه إلى العشرة على التباين" مفعل" و" فعال" ، والمسموع من العرب من الواحد إلى الأربعة.
وزعم بعض النحويين أنها معارف. والدليل على تنكيرها قوله عز وجل : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر : ١] فوصف بها النكرة.
وقال ساعدة بن جؤية :
* وعاودني ديني فبتّ كأنما |
|
خلال ضلوع الصّدر شرع ممدود |
ولكنّما أهلي بواد أنيسه |
|
ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد (١) |
فوصف ذئابا بمثنى وموحد.
وذكر سيبويه أن" فعل" إذا سمّي به ، ثم خففت عينه صرف ، لأنه قد خرج إلى مثال ما ينصرف لسكون عينه.
وخالفه المبرد فقال : إن خففنا" ضرب" قبل التسمية فقلنا" ضرب" ؛ ثم سمينا به مخففا فإنه ينصرف ، وإن سمينا" بضرب" ثم خففناه لم ينصرف ، لأنا ننوي" ضرب" في التسمية وليس بمنزلة : قيل وبيع ؛ لأن هذا بني على التخفيف وهو لازم ـ فيه وليس بلازم في ضرب.
وقال المحتج عن سيبويه إنما منع من صرف" ضرب" اللفظ الذي ليس من الأسماء فإذا زال اللفظ إلى ما له نظير انصرف كما ينصرف إذا حقرته. واستدل سيبويه أنه ليس الحذف في كل حال للعدل بأن : " هار" مخفف من" هائر" محذوف الهمزة وليس بمعدول ولا ممنوع الصرف ، فاعلمه.
__________________
(١) ديوان الهذليين ١ / ٢٣٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥ ، المقتضب ٣ / ٣٨١ ، ما ينصرف ٤٤ ، النحاس ٣١٠ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ٩٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣٥ ، شرح المفصل ١ / ٦٢ ، مغني اللبيب ٢ / ٨٥٨ ، شرح شواهده ٢ / ٩٤٢ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٥٠ ، اللسان (بغي) ١٤ / ٢٦.