هذا وكأن قائلا قال له : لم تصرفه على اللغتين جميعا ، وبني تميم لا يصرفونه إذا قالوا : " ذهب أمس"؟ ، ففرق بين ترك الصرف في لغة بني تميم إذا أرادوا اليوم ، وبين أن تسمي به رجلا ؛ لأن" أمس" إذا أرادوا به الوقت ، لم يعربوه. وإن أعربوه فهم يريدون أحد أمرين : إما أن يكون على تقدير : ذهب الأمس فيعدلون به عن الألف واللام ، فيجمع فيه العدل والتعريف فيمنع الصرف ، أو يكون معدولا على لغة أهل الحجاز ولغة بني تميم في المجرور والمنصوب ، فكأنه عدلوه عن المبني وهو معرفة فاجتمع فيه العدل والتعريف ، فإذا سمينا به رجلا ، فقد زال عنه العدل ، فلذلك انصرف.
ومعنى قول سيبويه : " لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في الكلام"
يريد : على معنى نفسه ، ولم ينقلوه إلى شيء آخر ، والأصل الذي هو عليه في الكلام أن يكون بالألف واللام إذا عرفنا ، أو مكسورا للعلة التي ذكرنا من البناء.
والذي ينبغي أن يكون عليه في القياس أن متى لقينا شيئا بلفظ وجعلناه علما له ، لم نحتج إلى الألف واللام وصار معرفة به ، فهم لم يجعلوا هذا اللفظ على جهة أنه علم ، وإنما جعلوه على معنى الألف واللام وعدلوه عنها فترك صرفه ، كما ترك صرف" سحر" إذا عدل عن الألف واللام. فاستعمل بنو تميم في منع الصرف من" أمس" تقدير الألف واللام وعدله عنهما ، كما استعمل الناس ذلك في" سحر" ظرفا.
وقوله : " وإذا سميت رجلا بأمس في هذا القول" إلى قوله : " لأنك لم تعدله عن أصله في الكلام مخالفا للقياس".
يعني لم يعدل الرجل عن أصله في الكلام كما عدلت بنو تميم أمس الذي ثانيه اليوم من أصله في الكلام ، وكذلك" سحر" إذا سميت به رجلا تصرفه.
قال : " وهو في الرجل أقوى لأنه لا يقع ظرفا ، ولو وقع اسم شيء فكان ظرفا صرفته.
وكان كأمس لو كان أمس منصوبا غير ظرف مكسور كما كان".
يعني : لو سمينا وقتا من الأوقات أو مكانا من الأمكنة التي تكون ظرفا" بسحر" ، وجعلناه لقبا له لا نصرف ؛ لأنه ليس بالشيء المعدول ، وكان" كأمس" لو سميت به.
وقوله : " وهو في الرجل أقوى".
يعني : في باب الصرف ؛ لأن الرجل لا يكون ظرفا أقوى.
قال : " وقد فتح قوم أمس في مذ" وهم بعض بني تميم. وإنما فعلوا ذلك لأنهم تركوا صرفه ، وما بعد مذ" يرفع ويخفض ، فلما ترك بعض من يرفع تصرف" أمس" بعد مد ترك أيضا من يجر صرفه بعدها ، فكانت مشبهة بنفسها.
قال الراجز :