فإذا اضطر الشاعر فلم يرفع وجعل فيه ضميرا ، فقد وضع الإعراب في غير موضعه.
والبيت تقديره على ذلك : أن «جونتا مصطلاهما» بمنزلة «حسنتا أوجههما» فجونتا بمنزلة :حسنتا ، ومصطلاهما بمنزلة : أوجههما. وكان الوجه أن يقول : جونتا المصطلى أو المصطلين ولا يجعل فيه ضميرا.
وأحكام هذا تأتي في بابه إن شاء الله.
باب تأنيث المذكر وتذكير المؤنث
فمن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة :
* فكان مجني دون من كنت أتقي |
|
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر (١) |
فحذف الهاء من ثلاثة على أن واحد الشخوص مذكر ، ولكنه ذهب به مذهب النسوة ؛ لأنهن كن ثلاث نسوة.
وقال الشاعر في تذكير ما ينبغي تأنيثه :
* فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها (٢) |
أراد : ولا أرض أبقلت ، ولكنه تأول بالأرض المكان فذكّر لذلك.
وهذا الباب إذا تقدم الفعل فيه لم يستقبح تذكير المؤنث فيما ليس بحيوان ، كقوله :(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [هود ٦٧]. و (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة ٢٧].
لأن الفعل إذا تقدم فهو عار من علامة الاثنين والجماعة ، فشبهوا تعريته من علامة التأنيث بذلك.
فإن كان المؤنث حيوانا فتقدم الفعل ، لم يحسن التذكير إلا في الشعر كما قال جرير :
* لقد ولد الأخيطل أم سوء (٣)
فذكر.
فصل في تفسير أبيات الباب
أنشد سيبويه للعجاج :
* قواطنا مكة من ورق الحمى
واحدة القواطن : قاطنة وهي الساكنة. وواحدة الورق : ورقاء ، وهي التي على لون الرماد تضرب إلى الخضرة.
وقوله : «الحمى» ، أراد : «الحمام» ، وقد ذكرنا علله.
__________________
(١) ديوانه ٩٢. المقتضب ٢ / ١٤٦ ، الكامل ٢ / ٢٥١ ، شرح السيرافي ٢ / ١٩٦.
(٢) شرح الأعلم ١ / ٢٤٠ ، شرح النحاس ١٧٥ ، شرح ابن عقيل ١ / ١٧٢.
(٣) ديوانه ٢ / ٥١٥ ، المقتضب ٢ / ١٤٥ ، شرح السيرافي ٢ / ٢٠٣ ، الخصائص ٢ / ٤١٤.