لأنه نكرة كما عمل بغاق ، حين نكر ، وإنما صار نكرة ؛ لأنهم أرادوا" يفديك" في كل ضرب يفدي فيه الإنسان من موت أو مرض.
واعلم أن قول العرب : "يوم يوم" ، وصباح مساء ، و "بيت بيت" ، "بين بين". بعضهم يجعله بمنزلة اسم واحد ، وبعضهم يضيف الأول إلى الثاني ، وإنما يجعل بمنزلة اسم واحد إذا كان ظرفا أو حالا ، وتجوز إضافته أيضا في الظرف والحال ، وإذا لم يكن ظرفا ولا حالا لم يجز غير الإضافة ، ومعنى : يوم يوم : كأنه قال : شدة يوم أو وقعة يوم. وإنما يذكر هذا في شيء قد شهر وانتشر ، كما يقال أيام العرب ، في معنى : الوقائع والأشياء التي تشير.
واعلم أن قولهم : " ذهبوا أيادي سبأ" ومنهم من يجعله مضافا فنون سبأ ، ومنهم من يبني الاسمين فلا ينون" سبأ" ، ومنهم من يبني الاسمين فلا ينون" سبأ" و" سبأ" مهموز في الأصل ، وكانوا باليمن ، فخافوا سيلا يهلكهم فتفرقوا في البلاد وتباعدوا فضرب المثل بهم لكل متفرقين ، يقال : تفرق القوم أيادي سبأ ، وأيدي سبأ ، والأيدي عبارة عنهم ، كأنهم قالوا : تفرق القوم أولاد سبأ أي : تفرق أولاد سبأ.
وأما : " بادي بدا" ، فمعناه : ظاهر الظهور من قولك : بدا يبدو ، أي ظهر وهو في موضع الحال كقولك : بيت بيت ويقال فيه : " بادي بادي" وأما شغر بغر ، فمعناه : متفرقين ، وذلك أنه يقال : شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وفرق ما بينهما وبين الأخرى. وأصل بغر : من قولهم : " بغرت السماء" إذا كثر مطرها والبغر : كثرة الشرب ، فإذا قال : " ذهب القوم شغر بغر" ، فكأنهم توسعوا في التفرق.
وأما : " حيري دهر" ففيه ثلاث لغات : منهم من يقول : حيري دهر ، وحيري دهر ، وهو منسوب في الأصل ، فمن شدد ، جاء بياء النسبة على حالها ، ومن أسكن الياء حذف الياء الثانية من ياءي النسبة ، ومعناه : لا أفعل ذلك ما حار الدهر ، أي : لا أفعله أبدا ، وحار : رجع ، والدهر (لا) يرجع أبدا.
قال : " وأما أخول ، فلا يخلو أن يكون كشغر بغر ، وكيوم يوم".
يعني : أنه لا يخلو من أن يكون حالا ، كشغر بغر ، في معنى متفرقين ، أو ظرفا : كيوم يوم. ويقال : إن أخول أخول هو ما يتساقط من شرر الحديد المحمي.
وأنشد في ما جعل مركبا من اسمين. لجرير :
* لقيتم بالجزيرة خيل قيس |
|
فقلتم : مار سرجس لا قتالا (١) |
وهذا يقوله للأخطل يعيره" بمار سرجس" ، وأصله بالنبطية ، والمعنى : لقيتم خيل قيس
__________________
(١) ديوان جرير ٤١٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٠ ، المقتضب ٤ / ٢٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٨٣ ، شرح المفصل ١ / ٦٥ ، اللسان (سرجس) ٦ / ١٠٦.