وأنشد سيبويه في تذكير النفس حملا على معنى الإنسان والشخص للحطيئة :
* ثلاثة أنفس وثلاث ذود |
|
لقد جار الزّمان على عيالي (١) |
يريد : ثلاثة أشخص ، والشخص مذكر ، فلذلك أثبت الهاء في الثلاثة يصف أنه كان له من الإبل ثلاث يتقوت من ألبانها هو وعياله ، فضلّت ، فقال : لقد جار الزمان على عيالي.
واعلم أنّ الأيام والليالي إذا اجتمعت غلب التأنيث على التذكير والسبب في ذلك أن ابتداء الأيام الليالي. لأن دخول الشهر الجديد من شهور العرب ـ برؤية الهلال ، يرى في أول الليل فتصير الليلة مع اليوم الذي بعدها يوما في حساب الشهر. والليلة هي السابقة ، فجرى الحكم لها في اللفظ ، فإذا أبهمت ولم تذكر الأيام ولا الليالى جرى اللفظ على التأنيث فقلت : أقام زيد عندنا ثلاثا.
تريد : " ثلاثة أيام وثلاث ليال" ، كقوله عز وجل : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤].
وعلى هذا وقع التاريخ بالليالي ، دون الأيام فلذلك قال : " سار خمس عشرة" فجاء بها على تأنيث الليالي ، ثم أكد بقوله : " من بين يوم وليلة".
ومثل هذا قول النابغة :
* فطافت ثلاثا بين يوم وليلة |
|
يكون النّكير أن تضيف وتجأرا |
ومعنى البيت : أنه يصف بقرة وحشية فقدت ولدها فطافت ثلاث ليال وأيامها تطلبه ، ولم تقدر أن تنكر من الحال التي دفعت إليه أن تضيف ، ومعناه : تشفق وتحذر. وتجأر : معناه تصيح في طلبها له.
وبين سيبويه أن العرب تقول : " ثلاثة أشياء" ؛ لأن" أشياء" اسم مؤنث واحد موضوع للجمع على قوله وقول الخليل ؛ لأن وزنه فعلاء وليس بمكسر ، وكما أن غنما وما أشبهه اسم مؤنث وليس بجمع مكسر.
فقال : " جعلوا أشياء ، هذه التي لا تنصرف ووزنها فعلاء نائبة عن جمع شيء" لو كسر على القياس. و" شيء" إذا كسر على القياس ، فحقه أن يقال : أشياء ، كما يقال : بيت وأبيات ، وشيخ وأشياخ ، فقالوا : " ثلاثة أشياء" كما يقال : ثلاث أشياء لو كسروا شيئا على القياس ، وقد تقدمت العلة في قلب أشياء والاختلاف فيها.
قال سيبويه : وزعم يونس عن رؤبة أنّه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس كما يقال : ثلاث أعين للعين من الناس ، وكما يقال : " ثلاثة أشياء" لو كسروا" شيئا" على القياس ، وقد
__________________
(١) ديوانه ١٢٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٥ ، مجالس ثعلب ١ / ٢٥٢ ، المذكر والمؤنث لابن الأنباري ٤٠٦ ، الخصائص ٢ / ٤١٢ ، الإنصاف ٢ / ٧٧١ ، الهمع ١ / ٢٥٣ ، حاشية الصبان ٤ / ٦٤ ، الخزانة ٧ / ٣٦٧ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥.