اعلم أن ظاهر كلام سيبويه ، أنّه جعل هذا الباب خارجا عن حكم القياس الذي ينبغي.
والفعل الذي يستعمل في هذا أفعل يفعل ، وهو أجاب يجيب. والذي يذكره كثير من النحويين أن قولهم : " ما أعطاه وما أولاه" على غير قياس مستمر.
وظاهر كلام سيبويه يدل على أن التعجب مما فعله على أفعل : كثير مستمر ، وأنه لم يستعمل فيه هذا الحرف على طريق الاستغناء بالشيء كما قالوا ما أكثر قائلته ، ولم يقولوا : ما أقيله. وفعله : قال يقيل ، وهذا مما استدل به بعض النحويين أن سيبويه يرى الباب فى : أفعل يفعل ، مما يجوز فيه التعجب ويستمر.
ومثله مما جاء في التعجب وفعله على : أفعل يفعل قولك : ما أيسر زيدا ، هو من أيسر يوسر ، وما أعدمه من أعدم يعدم ، وما أسنّه وهو مسنّ وما أوحش الدار وقد أوحشت ، وما أفرط جهله وهو مفرط ، ونحو هذا كثير.
هذا باب ما أفعله على معنيين
اعلم أن سيبويه قد ذكر التعجب من المفعول في هذا الباب في أشياء تتكلم بها العرب.
والأصل أن المفعول لا يتعجّب منه لعلتين :
إحداهما : أن دخول الهمزة لنقل الفعل ، إنما تدخل على الفاعل كقولك : لبس زيد وألبسه عمرو ، ودخل وأدخله غيره.
والوجه الآخر : أنّه لو تعجب من المفعول ، لوقع اللبس بينه وبين الفاعل ، فقال سيبويه : ما تعجب منه من المفعول كأنه يقدر له فعل ، فإذا قال : ما أبغضه إلي ، فكأن فعله بغض ، وإذا قال : ما أمقته عندي فكأنه قال : مقت عندي ، وإذا قال : ما أشهاه إليّ فكأنه قال : شهي وإن لم يستعمل. ويكون معنى شهي في هذا التقدير. أي : دعاه إلى أن يشتهي بالأحوال التي تظهر فيه.
ويفرق بين الفاعل والمفعول في ذلك أنّه يدخل مع الفاعل حرف ومع المفعول حرف آخر ، فمن ذلك اللام التي تدخل مع الفاعل ، تقول : ما أبغضني لزيد." وما أيقنتني له" وتقول للمفعول" ما أمقتنى إلي" و" ما أمقته عندي" ، ومثله : هو أكرم لى منك للفاعل ، يكرمني أكثر من إكرامك. و" هو أكرم علي منك". وقولهم : ما أبغضنى له ، يقوى فعل التعجب من أفعل ؛ لأن الفعل منه : أبغض يبغض ـ فاعلمه.
هذا باب ما تقول العرب فيه ما أفعله وليس
فيه فعل وإنّما يحفظ هذا حفظا ولا يقاس عليه (١)
اعلم أن الأصل في التعجب أن يدخل على ما له فعل. لأنه نقل الفعل بدخول الهمزة في أوله ،
__________________
(١) الكتاب ٢ / ٢٥٢ ، شرح السيرافي ٦ / ١٩٧.