قال : ومنها المكرّر وهو الراء وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره"
وهو في ابتداء النطق به ينحصر الصوت في مكانه ، ولا يجري ، فإذا كرر انحرف إلى اللام فتجافي لجري الصوت.
قال : " ومنها اللينة وهي الواو والياء".
وقد بيّن سيبويه وجه اللين فيها.
ومنها : الهاوي ، وهو الألف ؛ لأنه يخرج بهواء الصوت. وهذه الحروف الثلاثة : الواو والياء والألف ـ لاتساع مخارجها وأن الحركات منها ، ولا يمد في الغناء وسائر الألحان سواهن ـ كل واحدة منهن لها صوت في غير مخرجها من الفم ، فصارت مشبهة للرخوة بالصوت الذي يخرج عند الوقف عليها. وهي الشديدة للزومها مواضعها.
وقال الأخفش : سألت سيبويه عن الفصل بين المهموس والمجهور فقال : المهموس إذا خففته ثم كررته أمكنك ذلك فيه ، وأما المجهور فلا يمكنك ذلك فيه ، ثم كرر سيبويه الثاء بلسانه وأخفى ، فقال : ألا ترى كيف يمكن. وكرر الطاء والدال وهما من مخرج الثاء فلم يمكنا. وأحسبه ذكر ذلك عن الخليل.
وسائر الباب إذا تأملته وحققت النظر فيه ، وجدته بينا من كلامه إن شاء الله.
هذا باب الإدغام في الحرفين اللذين تضع لسانك لهما موضعا واحدا
قال سيبويه : " وإذا التقى الحرفان المثلان وقبل الحرف الأول حرف لين ، فإن الإدغام حسن".
اعلم أن اجتماع الساكنين في الوقف مستقيم ، كقولك : زيد وعمرو ، والدرج غير ممكن ، فإذا كان قبل الأول من الساكنين حرف من حروف المد واللين ، وكان الثاني مدغما في مثله ، جاز كقولك : دابة ، وضالّ وما أشبهه ، وذلك أن زمان الحرف الممدود أطول من زمان غيره ، كما أن زمان الحرف المتحرك أطول من زمان الحرف الساكن فصار الممدود بزيادته وطوله كالمتحرك فحسن لذلك اجتماع الساكنين ، مع أن المدغم في مثله ينحى بالحرفين نحو الحرف الواحد ، فاجتمع في ذلك مد الحرف الذي هو كالحركة ، وكون الحرفين كالحرف الواحد ، وفي الثاني منهما حركة فجاز اجتماع الساكنين لذلك.
وأنشد مستشهدا لما يجوز إخفاؤه ويكون بمنزلة المتحرك لغيلان بن حريث :
* إني بما قد كلّفتني عشيرتي |
|
من الذبّ عن أحسابها لحقيق (١) |
الشاهد فيه : إخفاء الباء مع الميم في بما ، ولو أدغم انكسر البيت لأن الياء في إني ساكنة ،
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤٠٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٤٤١ ، رسالة الملائكة ١٠٩.