وقوله وهو يعني النون : وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميما ـ كما قلبت مع الباء ميما في عنبر وما أشبهه ـ لأن الواو يتجافى عنه اللسان.
يريد باللسان : الشفتين ، وفي الواو أيضا مد ولين فتباعد ما بين الواو والميم ، والميم كالياء في الشدة ولزوم الشفتين ، فمن أجل بعد الميم من الواو ، وشبهها بالباء ، جعلت النون ـ وهي شبيهة الميم ـ مع الباء ميما ولم تجعل مع الواو ميما ، والميم أشبه الحروف من موضع الواو بالنون ، وليس مثلها في التجافي واللين والمد ، كما كانت الميم مثل الباء في الشدة ولزوم الشفتين.
وقوله : فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام وكرهوا البدل.
يعني : لم تجعل النون ميما مع الواو واحتملت النون الإدغام في الواو كما احتملت اللام الإدغام لأن اللام وهي من مخرج النون تدغم في ثلاثة عشر حرفا سوى النون ، وكثرة بدل اللام أنّها تبدل إلى الحروف التي تدغم فيها كلها.
قوله : " وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفا خفيّا مخرجه من الخياشيم إلى قوله وكان الأصل الإدغام".
جملة قوله في هذا الفصل أن النون تخفى إذا كانت ساكنة قبل خمسة عشر حرفا من حروف الفم وهي : القاف والكاف والجيم والشين والضاد والصاد والسين والزاي والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والفاء.
ومن الناس من يخفيها قبل الغين والخاء ، وقد تقدم ذلك.
وإنما أخفيت النون عند هذه الحروف ؛ لأنها من حروف الفم والنون من الفم فصارت هذه الحروف ملابسة للنون باشتراكهن في الفم ، ومع ذلك إن النون تدغم في بعض حروف الفم ، والإخفاء في طلب الخفة ، كالإدغام في طلب الخفة ، فلما أمكن استعمال الخيشوم وحده في النون ، ثم استعمال الفم في ما بعده ، كان أخف من أن يستعملوا في إخراج النون ثم يعودوا إلى الفم في ما بعد النون ، وإنما ساغ هذا في حروف الفم خاصة ـ دون حروف الحلق ـ لقرب مدخل الخيشوم ومخرجه من حروف الفم دون حروف الحلق.
وقوله : " ولم نسمعهم قالوا في هذا : حين سّليمان فأسكنوا النون مع هذه الحروف التي مخرجها معها من الخياشيم".
يعني : إذا تحركت النون قبل السين وأخواتها ـ وسائر الحروف التي تخفى قبلها النون وتخرج من الخياشيم ـ ثم تسكن كما تسكن النون المتحركة قبل الحرف الذي تدغم فيه للإدغام.
وترتيب لفظ سيبويه" ولم نسمعهم قالوا : حين سّليمان" كأنه قال : ولم أسمعهم أسكنوا