باب ما تخبر فيه بالنكرة عن النكرة
قال في هذا الباب : «لا يجوز في أحد أن تضعه موضع واجب».
إن قال قائل : كيف جاز أن يقع في النفي ما لا يصح وقوعه في الإيجاب؟
قيل له : النفي قد يصح لأشياء متضادة في حال واحدة لا يصح إيجابها ، تقول : ليس زيد بقائم ولا قاعد ، فتنفي قيامه وقعوده معا.
ولا يصح أن تقول : هو قائم قاعد ، وتقول : ليس هو في الدار ولا في المسجد ، ولا يصح أن تقول : هو في الدار والمسجد.
وإذا قلنا : ما جاءني أحد وما بالدار أحد ، فقد نفينا أن يكون بها كل من يعقل ، ونفينا أن يكون بها واحد منهم فقط ، وأن تكون بها جماعة دون غيرها ، أو صغير أو كبير ، أو ضعيف أو قوي.
ولا يصح إيجاب هذا على طريق نفيه لأنا إذا قلنا جاءني أحد وسلكنا به مسلك نفي الجنس ، فقد أوجبنا مجيء كل من يعقل ومجيء واحد منهم فقط ، ومجيء جماعة دون جماعة ، وهذا محال.
قوله : «ولو قلت : ما كان مثلك أحدا» إلى قوله : «إلا من الناس».
اعلم أن الفائدة إنما تكون في الخبر دون الاسم ، فإذا قلت : ما كان مثلك أحدا ، «فمثلك» هو الاسم و «أحد» هو الخبر ، والنفي واقع على «أحد» ، ومعناه : إنسان. كأنك قلت : ما كان مثلك إنسانا ، فهذا محال إلا أن تريد معنى الوضع منه أو الرفعة له وإن كنت تعتقد أنه إنسان.
قوله : «إلا أن تقول : ما كان زيد أحدا ، أي : من الآحدين».
معناه : من المستقيمي الأحوال
قوله : إذا جعلت فيها مستقرّا.
يريد أنك إذا جعلت الظرف والمجرور واقعين موقع الخبر فهما بمعنى : استقر ، فيسمى كل واحد منهما مستقرّا لذلك ، فإذا كان من صلة الخبر سمي كل واحد منهما ملغى ؛ لأنه يستغنى عنه إذ كان الخبر في غيره.
قوله : فمن ذلك قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].
يريد أنه قدم له ، وجعل «كفؤا» الخبر ، والاسم «أحد» ولم يكن له مستقرّا ، وقد قدمته.
فإن قال قائل : فقد اختار سيبويه أن لا يقدم الظرف إذا لم يكن خبرا ، وكتاب الله أولى بأفصح اللغات.
قيل له : قوله : «له» وإن لم يكن خبرا ، فإن سقوطه يبطل معنى الكلام ، فلما كانت