كذلك ، صارت بمعنى الخبر الذي لا يستغنى عنه وإن لم تكن خبرا.
قال : وأهل الجفاء يقولون (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].
يعني الأعراب الذين لا يعلمون كيف هو في المصحف لقوة التأخير في أنفسهم إذا لم يكن خبرا.
قال الشاعر :
* لتقربن قربا جلذيّا |
|
ما دام فيهن فصيل حيّا (١) |
فقد دنا الليل فهيا هيا |
الشاهد في أنه قدم فيهن (على) فصيل ، وجعله لغوا ، ومما سوغ التقديم أنك لو حذفت فيهن انقلب المعنى إلى معنى الأبد.
وقوله : لتقربن أي : لتردن. والقرب : الورود. والجلذى : يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون نعتا «لقربا» ومعناه شديدا.
ويحتمل أن يكون اسم ناقته : جلذية ، فرخم.
هذا باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع
بلغة أهل الحجاز ... وذلك الحرف «ما»
اعلم أن «ما» حرف نفي يليه الاسم والفعل. وقد كان من حكمه أن لا يعمل شيئا في واحد منهما مثل ألف الاستفهام ، و «هل». غير أن أهل الحجاز حملوا «ما» على «ليس» فأعملوها وهي مع ذلك عندهم أضعف من «ليس» ؛ لأن «ليس» فعل و «ما» حرف ، ولذلك لم يجروها مجرى «ليس» في كل المواضع.
وجعل سيبويه شذوذها عن بابها وخروجها إلى باب «ليس» بمنزلة «لات» إلا أنه جعلها أقوى من لات : للزومها العمل في الحين خاصة.
وعملها في الحين على وجهين :
ـ أجودهما : أن تنصب الحين بعدها على الخبر وتضمر اسمها فيها.
ـ والوجه الثاني : أن ترفع الحين بعدها وتحذف الخبر ، والتاء في لات زائدة كما زيدت في «ثم» إذ قالوا : «ثمت» ، وهي تاء التأنيث.
وزيدت لأحد وجهين :
إما أن يكونوا زادوها على معنى الكلمة ؛ لأن «لا» كلمة و «ثم» كلمة.
وإما أن يكونوا زادوها للمبالغة في معناها من نفي وغيره ، كما قالوا علامة ورواية.
__________________
(١) شرح الأعلم (١ / ٢٧ ـ ٢٨) ، نوادر أبي زيد ١٩٤ ، المقتضب ٤ / ٩٤ ، الخزانة ٩ / ٢٧٢.