الجملة المستأنفة ، ألا ترى أنك لا تقول : «الدار عمرو» على معنى : في الدار عمرو.
وأجاز سيبويه الجر في قوله : «ولا قاصر عنك مأمورها» وذلك أنه جعل منهى الأمور بمنزلة الأمور ، إذ كان البعض قد يجوز أن يجري مجرى ما أضيف إليه ، فجعل منهي الأمور إذا كان بعضها بمنزلة الأمور ، كأنه قال : وليس يأتيك الأمور ولا قاصر عنك مأمورها.
واستشهد على جعله منهي الأمور كالأمور بقوله :
* إذا بعض السنين تعرقتنا |
|
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (١) |
وقد مر البيت قبل هذا.
قال سيبويه : «ليس معروف لنا ردها ولا مستنكر».
أي : يكون الرفع والنصب في «مستنكر» مثلهما في «ولا قاصرا».
وأما الخفض على مذهب سيبويه ، فعلى تأويل أن يجعل الثاني من سبب الأول.
قوله : «لنا ردها» يريد : ردها ، أي : رد الخيل.
فإذا قال : ليس بمعروف لنا رد الخيل ، جاز أن يجعل رد الخيل بمنزلة : الخيل ، فكأنه قال : ليس بمعروفة لنا الخيل صحاحا ولا مستنكر عقرها.
قول سيبويه ـ رحمه الله ـ فسره شارح الكتاب.
والقول عندي أن مذهب سيبويه ومذهب من اتبعه عليه فاسد مختل ؛ لأن المأمور ضد المنهي ، فلا يصح تبعضه منه ، وكذلك العقر لا يصح وقوعه «بالرد» بوجه من الوجوه ، وأن الآخر في البيت أجنبي عن الأول. وأن «غير» خبر الآخر جائز على رواية سيبويه ـ رحمه الله ـ على تقدير حذف حرف الجر من الجملة الأخيرة لدلالة الباء في الجملة الأولى عليه حملا على قول العرب : «ما كل سوداء ثمرة ولا بيضاء شحمة» ، و «ما مثل زيد يقول ذلك ولا أخيه يكرهه» ، فيجوز على هذا : ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو ، يريد : ولا بخارج : فإن قلت :«ليس زيد بقائم ولا خارج عمرو» لم يجز.
والفرق بين الجملتين أن قولك : «ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو» جار على رتبته من تقديم المجرور الذي هو الخبر على المرفوع المخبر عنه ، فوقع المجرور الآخر متصلا بحرف يعطف لفظا ومعنى يحسن حذفه لقيام حرف العطف عليه. فإن قلت : «ليس بقائم عمرو ، بطل الجر ؛ لأنك أخرت المجرور في الجملة الأولى ، فوجب أن تقدره مؤخرا في الجملة الثانية لاستواء أجزاء الكلام ، فكما لا يجوز : «ليس زيد بقائم ولا عمرو بخارج» حتى تقول : ولا عمرو بخارج لا يجوز : ولا خارج عمرو حتى تقول : ولا بخارج عمرو.
__________________
(١) النكت ١٥٢.