ونظير هذا في كلام العرب ، وعليه مخرج الآية في قوله عز وجل : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) [الجاثية : ٥].
وآيات إنما هو لاتصال المحذوف بحرف العطف ، وتقدمه لفظا ومعنى كما تقدم في الآية.
وأما قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ) [يونس : ٢٧] أراد : وللذين فحذف حرف الجر ، فهو كقولك : في الدار زيد والحجرة عمرو.
فهذا بين لا اعتراض فيه. فقد تبين أن مخرج البيتين اللذين أنشد سيبويه على هذا فاعلمه إن شاء الله.
وتقول : (ما كل سوداء ثمرة ولا بيضاء شحمة) ، وإن شئت أظهرت" كل" فقلت : ولا كل بيضاء.
واحتج بعض النحويين بأن هذا عطف على عاملين وذلك أن بيضاء جر عطفا على سوداء ، والعامل فيها «كل» وشحمة منصوبة على خبر «ما».
وجعله سيبويه على غير ذلك وتأوله تأويلا أخرجه عما قاله القائل ، فقال : بيضاء مجرورة «بكل» أخرى محذوفة مقدرة بعد «لا» ، وليست بمعطوفة على «سوداء» فلم يحصل العطف على عاملين.
قال أبو دؤاد :
* أكل امرئ تحسبين امرءا |
|
ونار توقد بالليل نارا (١) |
أراد : وكل نار توقد ، فاستغنى عنه تثنية كل بذكره إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب ، وجعله سيبويه بمنزلة قولك : «ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه».
فهذا يحتمل أن يكون مثل مقدرا بعد «لا» ويجوز أن «لا يكون» مقدرا ، ويكون مثل الأول فاعلا في الاسمين ، وإن شئت قلت : ولا مثل أخيه.
فإن قلت : «ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكرهه».
فهذا لا محالة تقدر فيه مثل بعد «لا» ، فلما جاز حذف «مثل» بعد الثاني ـ اكتفاء في هذه المسألة ـ جاز في التي قبلها.
ومثل هذه المسألة : «ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك» فلا بد من تقديره «مثل» ؛ لأنه لو كان «أبيك» معطوفا على «أخيك» ، والعامل مثل الأول ، ما جاز أن يثنى يقولان ، فلما ثناه علمنا أن تقديره : ما مثل أخيك ولا مثل أبيك يقولان ذاك ، و «مثل» الأول غير الثاني.
__________________
(١) ديوان أبي دؤاد ٢٥٣ ، الأصمعيات ١٩١ ، الكامل ١ / ٢٨٧ ، شرح النحاس ٨١.