قال : «ومن كلامهم أخذتنا بالجود وفوقه ؛ لأنه ليس من كلامهم : وبفوقه».
معنى هذا الكلام : أخذتنا السماء بالجود من المطر وهو الغزير وبمطر فوق الجود ، ولم يجز جر «فوق» عطفا على الجود ؛ لأنهم لا يكادون يقولون : أخذتنا بفوق الجود إنما يقولون : بمطر فوق الجود.
وقد يجوز جره وهو بعيد.
وأنشد بيتين في مثل معنى البيت المتقدم.
قال كعب بن جعيل :
* ألا حي ندماني عمير بن عامر |
|
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا (١) |
فنصب غدا ولم يعطفه على اليوم.
وقال العجاج :
* كشحا طوى من بلد مختارا |
|
من يأسة اليائس أو حذارا (٢) |
فحمل «حذارا» على موضع «من» كأنه قال يأسة اليائس وهذا مفعول له كقولك : انصرفت عن زيد يائسا.
ويجوز أن يكون «حذارا» عطفا على قوله : مختارا ، كأنه قال مختارا أن محاذرا.
يصف ثورا أو حمارا ، والكشح : ناحية الجنب ، ونصبه بطوى.
باب الإضمار في ليس
اعلم أن كل جملة فهي : حديث وأمر وشأن.
والعرب قد تقدم قبل الجمل ضمير الأمر والشأن ثم تأتي بالجملة فتكون الجملة خبر الأمر والشأن. وهذا الذي يسميه الكوفيون المجهول.
ومثل سيبويه الإضمار في «كان» إذا قلت : «كان زيد قائم» بالإضمار في «إن» إذا قلت : «إن زيد قائم» وهما سواء في ظهور علامة المضمر المنصوب في «إن» واستكان ضمير الرفع في «كان» فمثل ما لم يظهر بما يظهر تقريبا وبيانا
وأنشد سيبويه على الإضمار في ليس قول حميد الأرقط :
* فأصبحوا والنوى عالي معرسهم |
|
وليس كل النوى تلقي المساكين (٣) |
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ٣٥ ، المقتضب (٤ / ١١٢ ، ١٥٤) ، إعراب القرآن ٢ / ٧٠٩.
(٢) ديوان العجاج ٢١ ، شرح الأعلم ١ / ٣٥ ، شرح النحاس ٥٨ ، شرح السيرافي ٢ / ٤٠٧.
(٣) شرح الأعلم (١ / ٣٥ ـ ٧٣) ، المقتضب ٤ / ١٠٠ ، شرح النحاس ٨٢ ، شرح السيرافي ٢ / ٤١٤.