فنصب «كل» «بتلقي» وأضمر في «ليس» ضمير الأمر ، وجعل الجملة خبر ليس.
وقبل هذا البيت :
باتوا وجلتنا الصهباء بينهم |
|
كأن أظفارهم فيها السكاكين |
الجلة : القفة من التمر والعنب. يصف قوما ضعفاء.
وأنشد في مثل ذلك :
* إذا مت كان الناس صنفان : شامت |
|
وآخر مثن بالذي كنت أصنع (١) |
أضمر في كان الأمر ، وجعل الجملة تفسيرا له وخبرا عنه.
وأنشد لهشام أخي ذي الرمة :
* هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها |
|
وليس منها شفاء الداء مبذول (٢) |
أضمر في ليس ، أي : ليس الداء المتولد منها شفاؤه مبذول.
وأنشد لمزاحم العقيلي :
* وقالوا تعرفها المنازل من منى |
|
وما كل من وافى منى أنا عارف (٣) |
فنصب «كل» بعارف ، وجعل ما تميمية.
ويجوز رفع «كل» بما وأنا عارف خبر ما.
وسئل أبو إسحاق الزجاج عن معنى هذا البيت فقيل له : الإنسان يسأل عن الشيء من يعرفه ومن لا يعرفه ، فما معنى هذا؟
فقال : هذا يذكر امرأة تعشقها ، فليس يسأل عن خبرها إلا من يعرفه ويعرفها.
هذا باب ما عمل عمل الفعل ولم يجر مجراه ـ وهو باب التعجب ـ
اعلم أن التعجب من الشيء أن يكون زائدا في معنى ما تعجب منه على غيره نادرا في بابه ؛ لأن فيه تفضيلا. ولا يجوز أن يقال : لزيد إذا كان في أول مراتب الحسن : ما أحسن زيدا ؛ لأنه تفضيل فيه.
ولا يجوز أن يقال : لزيد إذا كان في أول مراتب الجن : ما أجن زيدا ؛ لأنه لا تفضيل فيه.
ومثل الخليل «ما» بشيء في قولك : «ما أحسن زيدا ، كأنك قلت : شيء أحسن زيدا».
ومعنى أحسن ، أي حسن ، أي حسنه وأصاره إلى هذا الحسن ، وخصت «ما» بالتعجب
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ٣٦ ، شرح النحاس ٨٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٤١٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٤٤.
(٢) الكتاب ١ / ٣٦ ـ ٧٣ ، المقتضب ٤ / ١٠١ ، مجالس العلماء ٢٤٢ ، شرح النحاس ٨٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٤١٨.
(٣) شرح الأعلم ١ / ٣٦ ، ٧٣ ، شرح النحاس ٨٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٤٢٠ ، الخصائص (٢ / ٣٥٤ ، ٣٧٦).