باب ما يختار فيه إعمال الفعل و
ذلك قولك ... رأيت عبد الله وزيدا مررت به
اعلم أن العرب إذا ذكرت جملة في كلام ، اختارت مطابقة الألفاظ ما لم تفسد عليهم المعاني. فإذا جئت بجملة صدرتها بفعل ، ثم جئت بجملة أخرى فعطفتها عليها وفيها فعل ، كان الاختيار أن تصدر الفعل في الجملة الثانية لتكون مطابقة للجملة الأولى في اللفظ وتصدير الفعل. وسواء ذكرت في الفعل الأول منصوبا أو مرفوعا أو مجرورا ؛ لأن الغرض أن تجمع بين الجملتين في تقديم الفعل لا في لفظ النصب أو غيره.
والرفع جائز في الاسم المصدر به في الجملة الثانية على القطع والابتداء ، وليس بالمختار لتنافي الكلام عن الاعتدال.
قوله : «ومثل ذلك : كنت أخاك وزيدا كنت له أخا» وتقول : «لست أخاك وزيدا أعينك عليه» إلى قوله : «تصرف كان».
يعني إذا قلت : كنت أخاك ، فجملة الكلام مصدرة بفعل ، وهو كنت ، فلذلك اختير أن تنصب الاسم في الجملة الثانية كأنك قلت : كنت أخاك ، ولابست زيدا كنت له أخا. ولست أخاك بهذه المنزلة ، من قبل أن ليس هو فعل ، وإن لم يكن له تصرف غيره من الأفعال.
فإذا قلت : لست أخاك وزيدا أعينك عليه ، فكأنك قلت : لست أخاك وأخاصم زيدا أعينك عليه أو ما أشبه ذلك من الأفعال.
قال الربيع بن ضبع الفزاري :
* أصبحت لا أحمل السلاح ولا |
|
أرد رأس البعير إن نفرا |
والذئب أخشاه إن مررت به |
|
وحدي وأخشى الرياح والمطرا (١) |
فنصب الذئب بفعل مضمر. واختار ذلك ؛ لأن قبله أصبحت من أخوات كان وليس.
قال : «ومما يختار فيه النصب» : قولك «ما لقيت زيدا ولكن عمرا مررت به ، وما لقيت زيدا بل خالدا لقيت أباه».
جعل ما بعد «بل» و «لكن» بمنزلة ما بعد الواو فيما مضى ؛ لأن «بل» و «لكن» من حروف العطف ، فما بعدهما كما بعد الواو.
وإذا تقدمت جملة مبنية على فعل ـ وإن كان قبلها حرف نفي ـ فتكون بمنزلة قولك : لقيت زيدا وعمرا لم ألقه ؛ لأن الفعل الذي بعد لم ـ وإن كان منفيّا في العمل ـ بمنزلة الواجب فتنصب عمرا كما تنصب إذا قلت : عمرا لقيته ، ويكون الإضمار ولم ألق عمرا لم ألقه حتى
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ٤٦ ، نوادر أبي زيد ١٥٨ ، شرح النحاس ٨٤ ، أمالي القالي ٢ / ١٨٥.