كالقول فيما تقدم.
قوله : «ومما يختار فيه النصب قول الرجل : من رأيت وأيهم رأيت» إلى قوله : «كلمت زيدا وعمرا لقيته».
اعلم أن المستفهم : الاختيار له في كلامه أن يورد الجواب على منهاج الاستفهام ، فإذا قال المستفهم : من رأيت؟ وأيهم رأيت؟ قال : زيدا ، فنصب زيدا بمثل الفعل الذي وقع على الاستفهام ، كأنه قال : رأيت زيدا.
وإذا قال : أيهم رأيته؟ فالاختيار في الجواب أن تقول : زيد ، فترفع كما رفع المستفهم أيا ، فيختار أن يكون الجواب على منهاج الاستفهام حتى يجري مجرى العطف في أنه تابع للاستفهام.
فإذا قال : من رأيت؟ قلت : زيدا رأيته ، فتنصب الاسم بإضمار فعل ، فكأنه قال : رأيت زيدا رأيته ، فقد جرى الجواب مجرى العطف في قولك : رأيت زيدا وعمرا رأيته.
قال الأخفش : يجوز إذا قلت : أيهم ضربته؟ أن تقول : زيدا ضربته ؛ لأن الهاء منصوبة ، وهي في المعنى مستفهم عنها.
فمعنى كلام الأخفش أن الرفع والنصب جميعا اختيار فالرفع على اللفظ ، والنصب على المعنى.
وليس الأمر إلا ما قاله سيبويه ، وذلك أن المعنيين إذا تساويا في اللفظ والمعنى ، كان اتباع اللفظ أولى بالاختيار. ألا ترى أن قوله : مررت بزيد وعمرو ، أولى من : مررت بزيد وعمرا.
وقد تقدم ذكر الحجج على ذلك في المطابقة بين الألفاظ مع أن الجواب إنما يكون مردودا على الاسم الذي وقع به السؤال لا على ضميره ، ولا شيء من أسبابه. ألا ترى أنك لو قلت : أيهم ضربت غلامه؟ لم يكن الجواب مردودا إلا على «أي» دون الغلام. فكذلك ينبغي أن يكون مع ضميره مردودا عليه نفسه دون الضمير ، كما كان مردودا عليه دون السبب.
قال سيبويه : «فإن قال : عبد الله مررت به أم زيدا؟ قلت : زيدا مررت به. كما فعلت ذلك في الأول».
يعني تنصب في الجواب كما نصب هو في المسألة.
ثم قال : «ولو قلت : مررت بعبد الله وزيدا. كان عربيّا. فكيف هذا؟».
يعني أنك إذا قلت : مررت بعبد الله وزيدا جاز على تأويل : لقيت عبد الله وزيدا ، فإذا جاز هذا في العطف ، كان قولك : أعبد الله مررت به؟ أولى.