وإنما صار فيه أولى ؛ لأن عبد الله لا يمكن جره بالباء الظاهرة لاشتغالها بالضمير ، ولا بباء مضمرة ؛ لأن الجار لا يضمر.
وقولك : مررت بعبد الله وزيد ، يمكن جر زيد بالعطف على عبد الله ، فلما جاز نصبه كان نصب المستفهم عنه أولى لما ذكرنا.
وأنشد :
* جئني بمثل بني بدر لقومهم |
|
أو مثل أسرة منظور بن سيار (١) |
فحمل مثل على موضع قوله : جئني بمثل ؛ لأن معنى جئني بكذا : أعطنيه. والأسرة : أقارب الرجل من قبل أبيه.
وأنشد للعجاج :
* يذهبن في نجد وغورا غائرا (٢)
كأنه قال : ويسلكن غورا.
وغور ونجد : موضعان. إلا أن نجدا مرتفع ، وغورا منخفض.
قال : «ومثل هذا : وحورا عينا في قراءة أبي بن كعب».
وإنما نصب حورا ؛ لأن قوله : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) [الواقعة : ١٧ ـ ١٨] دليل على أنهم قد أعطوا ذلك ، فنصب «حورا عينا» على معنى يعطون. ومن رفع أراد : ولهم حور عين ، وقد دل الكلام عليه أيضا.
قوله : «فإن قلت : إنما هو لنصب اللفظ ، فلا تنصب بعد : مررت بزيد ، وأنصب بعد : إن فيها زيدا».
يعني إن قال قائل : إذا قلنا : قام زيد وعمرا كلمته ، فليس الاختيار في الاسم النصب ؛ لأنه لا منصوب قبله.
قيل له : لو كان اختيار النصب في الثاني ـ لأن قبله منصوبا ـ لوجب أن لا ينتصب بعد قولك : مررت بزيد ولوجب أن تنصب بعد قولك : إن فيها زيدا ، وهذا غير مختار.
قال سيبويه : «فلو كانت العلة ما زعمه هذا الزاعم للزمه أن لا ينصب بعد : مررت بزيد ، وليس في الدنيا عربي إلا وهو يجري : مررت بزيد ، مجرى لقيت زيدا».
قال : «فإن كان الأول ؛ لأنه في معنى الحديث مفعول. فلا ترفع بعد : عبد الله. إذا قلت : عبد الله ضربته».
يعني إن قال قائل : إنا إذا قلنا : مررت بزيد وعمرا كلمته إنما نصبنا عمرا ؛ لأن زيدا في
__________________
(١) شرح الأعلم ٤٨١ ، معاني القرآن ٢ / ٢٢ ـ ٣ / ١٢٤ ، المقتضب ٤ / ١٥٣ ، شرح النحاس ١١٠.
(٢) شرح الأعلم ٤٩١ ، شرح السيرافي ٢ / ٥١١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٤٠.