ولأن موقع الدعاء هو أقرب حالات القرب إلى الله ، فدعاء الهداية وهي قمّة الدعاء أصبحت رابع الخطوات ، بعد المعرفة الغائبة في (بِسْمِ اللهِ) ـ الى ـ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ثم الحاضرة بخالص العبادة في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ثم أخرى هي بخالص الاستعانة ، فلما اكتملنا خطواتنا الثلاث ووصلنا إلى القمة المقصودة ، فلكي نثبت على ما نحن عليه من الهدى ، ثم نستزيد هدى على هدى ، نقول : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).
والهداية هي الدلالة بعطف ولطف بكل مرونة وازدهار ، دون أية خشونة واستكبار ، وحتى بالنسبة لأكبر المستكبرين فرعون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً. لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٢٠ : ٤٤).
ثم من الهدى ـ وهي رحمة ـ عامة تعنيها «الرحمن» وخاصة تعنيها «الرحيم» وهنا أخصّ تعنيها (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) والخلق في مثلث الهدى درجات حسب الدرجات.
١ ـ ورحمانية الهدى هي تكوينية لا سواها : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٢٠ : ٥٠) مهما اختلفت درجات الخلق وبمستواها هداها ، وهي لزام كلّ خلق دونما حاجة إلى استدعاء ، فالقوانين المحكّمة على المادة تكوينية دونما استثناء ، من كيماوية وفيزيائية وفيزيولوجية نباتة أم حيوانية أم إنسانية أمّا هيه ـ
والكون كله على صراط مستقيم في هذه الهداية الإلهية دونما تخلّف واختلاف ، حيث الربوبية الإلهية مستقيمة دون خلاف (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١١ : ٥٦) :
٢ ـ ومن ثم تكوينية رحيمية كما في هدى العقل والفطرة : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٩٠ : ١٠) وهما لكافة المكلفين من الملائكة والجنة والناس