(لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً. وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) (٧٨ : ١٦) (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها. وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها. وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها. أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها .. وَالْجِبالَ أَرْساها. مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٧٩ : ٣١) (١) .. ثم ومن آثار بناء السماء :
(وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) ف «أنزل» هنا دون «ينزل» توحي بالنزول الدفعي الاوّل ، حيث الأرض كانت كرة عطشانة محترقة ، لا ماء فيها ولا كلاء ، فأنزل الله عليها من ماء السماء (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً. لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) (٧٨ : ١٦).
فأرضنا الشموس العطشى كانت تتطلّب لمهادها لنا ماء : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (٢٣ : ١٨) ولو أن مياه الأرض أو بعضها كانت من نفسها لم يكن هنا موقع للتهديد بذهاب مياه السماء ، فإنما حياة الأرض منوطة بمياه السماء : (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٢ : ١٦٤) (٢) فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها ، فجعلها لخلقه مهادا ، وبسطها لهم فراشا فوق بحر لجّي راكد لا يجري ، وقائم لا يسري ، تكر كره الرياح العواصف ، وتمخضه الغمام الذوارف ، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى (٣).
__________________
(١) راجع الجزء الثلاثين الى تفسير هذه الآيات في بناء السماء ص ٢٥ ـ ٢٨ وص ٨٦ ـ ٨٨ وكما نبحث عنها مفصلا في الآيات من «فصلت» عن خلق الدخان السماوي وجعلها سبعا.
(٢) راجع العنوان ص ٢٩ ـ ٣٢ حول مياه المعصرات.
(٣) نهج البلاغة عن الإمام امير المؤمنين علي (عليه السلام).