وهكذا نرى في آية قصيرة واحدة تفتح سجلّة الحياة كلها ثم تزوى وتطوى ، معروضة في ومضة لقبضة الباري جلّ وعلا ، ينشرها من همدة الموت قبل أيّة حياة ، ثم يقبضها بهدمة الموت بعد حياة ، ثم يحييها مرة أخرى في الاخرى ، ثم إليه ترجعون .. في استعراض سريع يرسم أدوار الموت والحياة ، مذكّرة للمغفلين الناكرين لقاعدة الحياة!
ثم ينتقل بنا الى جوّ أوسع من هذه الحياة ، في نعم وامضة رغم عامضة الحياة :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٩).
هنا يرتفع بنا ربّنا من حمأة هذه الأرض وحياتها المغمورة المحصورة في معمورتها ، إلى السماء والسماوات ، وليرفعنا عن هذه المحدودة فنجنح بأفكارنا ومحاولاتنا وتصرفاتنا الى عليّات الكون ، ولنعرف أنه تعالى وتقدس خلقنا لأمر عظيم ، أعظم من خدمة الأرض المتعة وسماواتها ، فانها كلها مخلوقة لنا ، مستعبدا لها لصالحنا دون أن نعبد الآلة ونعشوا عن ذكر خالق الآلة وغايتها ، رغم دعايات أنصار المادة ، المنغمسين في نزواتها المنطمسين عن غاياتها ، المحقّرين دور الإنسان فيها ، فكرامة الإنسان وسيادته واستعلاءه على الكون لغاية معرفة الله ، والحياة مع الله ، وطاعة الله ، هي القيم القمة من وراء هذه الآيات.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ) وهل من خالق إلّا الله «خلق لكم» : الناس كل الناس ـ «لكم» كأصل ولسائر الخلق وحتى الجان كفرع.
وتراه «لكم» ـ فقط ـ تعنى هذا النسل الأخير؟ كما (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) (٢٧ : ٦) (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) (٥٥ : ١٠) (الَّذِي