دلالات الكائنات كل الكائنات على مكوّنها بدرجاتها ، ثم دلالات الرعيل الأعلى من رجالات الله : بذواتهم وصفاتهم وتصرفاتهم وإرشاداتهم على الله ثم الذروة العليا منهم وهي الحقيقة المحمدية العظمى فإنها الآية الكبرى وأعظم أسمائه الحسنى بين الممكنات ، بجنب ما لله من سائر الأسماء الحسنى ، (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (١٧ : ١١٠) (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٧ : ١٧).
فأحرى بهم هؤلاء أن تعنيهم الأسماء التي علّمها آدم كلها : أنهم أنبياء الله ورسله.
ولكنما التعلّم لا يناسب الذوات ، وإنما هو التعريف ، ثم ويبقى السؤال كيف يفضّل آدم على الملائكة لأن الله علّمه دونهم ، ثم كلّفه أن ينبئهم بها؟
في الحق إن الأسماء هنا مجمع الاسمين ألفاظا وذوات ، ولأن بداية المعرفة كانت بالنسبة للألفاظ صح التعليم ، مهما انتهت الى معرفة الذوات ، وقد تبين هنا لهذه الخليفة فضيلتان اثنتان :
الأولى لآدم حيث علّم الأسماء ألفاظا وذوات ثم لم ينبئ الملائكة بالذوات وإنما (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) وإن كانت تكشف أشباحا من هؤلاء الذوات ، ولكنه قليل بجنب ما عرّفه آدم من الذوات ، تدليلا على أن الملائكة ليست بالتي تتمكن أن تعرف او تعرّف حقائق هذه الذوات ، بيانا لكيانهم بما خلق الله : أنه محدود بما حدّد الله ، دون هذه الخليفة التي منها آدم ، فليس علمه محدودا لحدّ ، فهم : (ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) والخليفة : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)
والثانية أن هؤلاء الذوات هي الأصيلة في هذه الخلافة ، مهما كانت لأشباههم في الصورة الإنسانية تخلّفات وترذّلات من إفساد وسفك دماء ، فان هؤلاء الأشباح لا تشبه أشباهها في المعنى مهما شابهتها في الصور.