لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢٠ : ١٢٤).
هذه الهدي الآتية لخليفة الأرض إلى الأرض لا ريب هي فوق هدى العقل ، سواء أكانت هدى تهدي العقل في أخطاءه او تهديه في تكامله ، أم تحمل أحكاما ليس للعقل فيها حكم لا جملة ولا تفصيلا ، وهذا المثلث من الهدى تجمع الشرائع كلها ، فهي المقصودة للمكلفين منذ آدم الى يوم الدين ، إلا أن آدم ومن دونه الى نوح لم يبعثوا بشريعة او شرائع من القسم الثالث إطلاقا فانها لأولى العزم من الرسل ، حيث العزم لهم يعني فيما يعني استقلال الشريعة الناسخة لما قبلها ان كانت ، والحاكمة على من بعدها إلى ولي عزم آخر ، وليست إلّا لأولى العزم من الرسل ، الخمسة الذين دارت عليهم الرّحى (١).
وقد توحي (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (٢ : ٢١٣) ـ توحي أن الناس ظلوا في فترة من الزمن ضلّالا عن هكذا شرعة إلهية تحمل كتاب وحي برسالة ، فليكن آدم رسولا بلا كتاب بشرعة غيرها ، كالتي تهدي العقل فقط عن أخطاءه ، أمّا التي لها فروع لا تحكمها العقل لا جملة وتفصيلا فلا ، وعلّها ليست بالتي تكمّلها ايضا ، وإنما الزاوية الأولى من مثلث الوحي الرسالة ، وهي أدنى درجات الرسالة.
ولا شك ان اوّل ما أتت من هدي لخليفة الأرض كانت بواسطة آدم صفي الله ، الذي اصطفاه واجتباه بعد ما عصى وتاب عليه وهدى (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) ولحد الآن ما
__________________
(١) راجع ج ٢٦ ص ٧٣ ـ ٧٨ في آية «اولوا العزم».