بعث رسولا ، وإنما نبّى واهتدى ثم (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ..) فابتعث بهذه الهدى (١).
ومن ثم ضابطة عامة لمن ضل او اهتدى : «فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى» ـ (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : عائشا في مربع النور والسرور : لا يضل ـ ولا يشقى : حتى في الحياة الدنيا ، أن تصبح حياته حياة الجنة ، فلا يحزن على ما فاته منها ولا يخاف أن يشقى (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى)!
واما (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) في الأولى وفي الأخرى (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) إذا فهو يشقى في الحياة كلها.
فليست توبة آدم بالتي تزيل عنه شقاء الحياة وضلالها وخوفها وحزنها بل وعليه أن يتبع هدى الله في حياته الدنيا حتى لا يخاف ولا يحزن ولا يضل ولا يشقى.
فقد تخطّى هذه الخليفة المعصية إلى التوبة وإلى الهدى ، فعصيانه أهبطه إلى الأرض الشقاء والعناء ، وتوبته أصلحته لحياة راضية خالية عن مربع العناء ، وهداه أدخلته الى جنة الحياة وهو في الدنيا ، فتألّفت حياته الأرضية بحياة سماوية علينية إذا تعلق بوحي السماء ، وهي ارضية سجينية إذا تحلل عن وحي السماء : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً).
ومن ثم ينتقل المهتدون إلى حياة سماوية خالصة أسمى من الأولى وأنمى ، والضالون إلى حياة أرضية أتعس وأنكى!
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٥١ عن أبي ذر قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أول الأنبياء؟ قال : آدم ، قلت : نبي كان؟ قال : نعم مكلّم ، قلت ثم من؟ قال : نوح وبينهما عشرة آباء.