أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) تعم في تأويله وعموم لفظة كافة العهود ، مهما خص خطابه بني إسرائيل ، فإنما العبرة في الخطابات القرآنية عموم الألفاظ دون خصوص الموارد.
(وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) : ـ (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (١٦ : ٥١) فوفاءه تعالى بعهده لهم منوط بعد ما مضى بأن يرهبوه لا سواه ، كما وان التوراة (فِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (٧ : ١٥٤) وأن دعوته رغبا ورهبا مستجابة شريطة المصالح الواقعية : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ، وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) (٢١ : ٩٠).
والرهبة مخافة مع تحرّز واضطراب ، وهكذا يجب أن يخاف الله من عدله وظلمنا ، وفضله وجهلنا ، لا من ظلمه فان الله ليس بظلام للعبيد! (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) حصر الرهبة في الله ، أن يخاف الله ـ فقط ـ دون سواه ـ ف «من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء» (١).
وترى ما هو موقف الفاء والنون في : «فارهبون»؟ .. علّ الفاء عاطفة لمدخولها على محذوف من شكله ـ إذ لا شاهد لغيره ـ ك «إياي ارهبون فارهبون» إيحاء إلى استمرارية الرهبة ، تعقيبا زمنيا ، وتكاملها رتيبا : أن يعيش الإنسان رهبة من الله لا سواه ، ويتخطاها إلى أقوى فأرقى .. وهكذا يجوز اجتماع عاطفين في جملة واحدة ، حيث الواو لعطف المحذوف على المذكور ، والفاء هنا لعطف المذكور على محذوف من جنسها ، وما أحسنه جمعا في عطف وعطفا في جمع!.
__________________
(١) عيون اخبار الرضا عن الامام الرضا (عليه السلام).