والنون ليس نون الجمع لمكان كسرها والأمر ، فليحذف نون الجمع جزما ، بل هي نون الوحدة ، الدالة بكسرها على ياءها : «فارهبوني».
إذا فهنا حصر بتقديم المفعول : «إياي» وتأكيد ان له بتكرار المفعول «ني» والفعل : «ارهبون فارهبون» فهي أكثر من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
وفيه إيماء إلى ما كان البعض من الأحبار يرهبون من بعض رهبة النكسة الروحية الإسرائيلية ، ومن الفراعنة رهبة الفرعنة ، ومن الأثرياء رهبة الفقر ، فهم كانوا في ثالوث الرهبة من غير الله ، فليتركوه إلى مثلث الرهبة من الله!
فذكر نعمة الله والوفاء بعهد الله وحصر الرهبة من الله ، إنها تتبنّى الإنسان ـ أيّا كان ـ وفيّا نقيا زاهدا تقيا يعيش مرضاة الله ، فيؤمن بالله ولا يكفر ، ولا يلبس الحق بالباطل ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويركع مع الراكعين ... :
(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١).
أمران يتوسطهما نهيان ، أمر بالايمان بما أنزل الله أولا وبتقواه أخيرا ، ونهي عن أن يكونوا أوّل كافر بما أنزل ، وأن يشتروا بآياتنا ثمنا قليلا : سياج رباعي لا قبل له ، ولا سيما لمن ذكر نعمة الله ، ووفى بعهد الله ، ورهب الله! فالنهيان سياجان لتحكيم الأمر الأوّل ، والأمر الأخير سياج للثلاثة : تقوى الله في الايمان به وترك ما نهاه.
وهل إن «ما أنزلت» يخص القرآن ، فانه النازل من سماء الوحي ، أم هو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فانه ايضا نازل برسالته :