قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً. رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٦٥ : ١١) حيث النزول هنا وهناك ليس من السماء ، فان الله ليس ساكن السماء وماكنها ، وإنما من مقام عل ، فكما القرآن نازل إلى أراضي القلوب من سموّ الربوبية وسماتها ، كذلك الرسول نازل برسالته ووحيه ، سواء ، حيث هما من عل إلى دان.
وقد تتحمل الآية كلا النازلين ، قرآن محمد ومحمد القرآن ، مهما كان القرآن الوحي أصلا ، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حامله فرعا ، حيث الدليل الأصل على رسالته هو القرآن ، كما هو وحيه الأصيل.
فالقرآن يصدق ما معهم من كتب الوحي وأنبياءه ، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يصدق ما معهم من أنبياءه وكتب الوحي ، فمحمد هو القرآن كما القرآن هو محمد مهما اختلفا في مظهرين! (١).
هنا «ما أنزلت» وفي أخرى (بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٢ : ٩١) يعمان الرسول والقرآن ، وأما (آمِنُوا بِما نَزَّلْنا ..) (٤ : ٤٧) فإنها خاصة بالقرآن لمكان التنزيل : التدريج ، ولا تدرّج لأصل الرسالة ، ولكنما القرآن منزل : لنزوله جملة واحدة ليلة القدر ، ومنزّل أيضا لنزوله متدرجا نجوما طوال الرسالة.
وترى ماذا يعني (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ)؟ ومعهم خليط من وحي الأرض والسماء! فهل القرآن يصدقه كلّه : (لِما مَعَكُمْ)؟ ام بعضه : الذي لم يحرّف بعد ف «لبعض ما معكم» والنص «ما» لا «بعض ما»؟!
__________________
(١) «وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ» هذه الآية من يس كما تأتي تجعل الرسول ذكرا وقرآنا مبينا إذ لا مرجع ل (هو) الا هو ولم يسبق ذكر من القرآن