كلام حول النسخ :
القرآن ـ في جملة واحدة ـ ناسخ لسواه وليس منسوخا بسواه ، قبله او معه او بعده ، وان كان فيه بعض التناسخ لنفسه في احكام مؤقتة امتحانية كحكم النجوى والزنا وعدد الكفاح في قتال الكفار : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
ولان الحكم الناسخ يبطل الحكم المنسوخ ، فعزة القرآن وغلبته تجعله بحيث لا يبطل ولا ينسخ جملة او تفصيلا ، كلا او بعضا (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) من كتابات السماء حيث تؤيده ولا تبطله ، (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) حاضرا لديه كوحي السنة ، او آتيا بعده كفتاوى الخلفاء والائمة ، فلو أن حكما من الأحكام زمن الوحي أو بعده ينسخ حكما من أحكامه فقد أتاه الباطل ، الذي يبطله ويحوّله. والقرآن هو نفسه يحيل للرسول ملتحدا سواه : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (١٨ : ٢٧) فانه الوحي الخالد الأم الذي يتبنى شريعة الإسلام طول الزمن ، ومهما كان وحي السنة ايضا وحيا ولكنه شارح له هامشي ، لا يمكن أن يختلف عنه وينسخه ، وقد أمر الرسول ان يتبعه ، فيعيش متابعة وحي القرآن طوال الرسالة : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (١٠ : ١٠٩) : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (٤ : ١٠٥).
وقد حصر الرسول حياته الرسالية باتباع ما يوحى اليه : (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي .. (٧ : ٢٠٣) إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما