وتعني (مَساجِدَ اللهِ) اضافة الى محال السجدة : المساجد ـ نفس السجدة وأزمنتها ، اعتبارا أن «مساجد» جمع لمثلث المسجد والمسجد ، اسم مكان وزمان ومصدرا ميميّا ، إذا فهو المنع عن عبادة الله في أصلها وفي أزمنتها وأمكنتها ، مهما اختصت (أَنْ يَدْخُلُوها) بأمكنتها.
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) ١١٥.
لقد تطمئن هذه الآية المؤمنين أنهم إن منعوا عن مساجد لله ، فكل الأرض مساجد لله ، و (الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) بما هما الجهتان الأصيلتان تشملان كل الجهات (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) وجوهكم الى الله في مساجد وسواها (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) إذ لا يختص وجهه بالمساجد مهما كانت أفضل من سائر بقاع الأرض ، ولا يعني وجه الله هنا إلا المتوجّه اليه في العبادة والدعاء ، والوجه ـ ككل ـ هو ما يواجه الشيء او يواجه به ، وكل الكائنات مواجهة ربّهم بكلّ الوجهات والوجوه التكوينية ، وهو مواجه لهم فيها ، وكذلك التشريعية لمن هو متشرع بشرعة من الله.
فليست الآية لتعني ان القبلة الخاصة ساقطة عن وجوب الاستقبال إليها في الصلوات ، بل هي ـ بمناسبة آية المنع عن المساجد ـ توسعة في أمكنة السجدة لله وقد يشهد له «أينما» دون «إلى اين» وليس فرض القبلة تضييقا لدائرة وجه الله ، إنما هو مصلحة جماعية وحدويّة للجماعة المسلمة ان يوجهوا وجوههم إليها لوجه الله الذي ليس له زمان ولا مكان ، فكما أن الوجهة المعرفية والعقائدية ثم العملية للمسلمين واحدة ، فلتكن قبلتهم في صلاتهم ـ كذلك ـ واحدة ، كشعيرة ظاهرة من مشاعر الوحدة ، أم إن تولي الوجه إلى الله يعم الصلاة وسواها من وجوه الاتجاه الى الله ، وشرط القبلة خاص بالصلوات بدليل