السذج منهم بذور الريبة والقلقة ، حيث النسخ ـ في زعمهم ـ دليل الجهل وهو لا يصدر عن مصدر الربوبية ، دليلا على أن محمدا لا يصدر عن ربه!.
ذلك! رغم ما سبق في (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ...) إذ بيّنت أن النسخ ـ على أية حال ـ تحمل مصلحة مماثلة أو خيرا مما نسخ ، وقبلة الكعبة خير من قبلة القدس كأصل على مدار الزمن ، كما وأن قبلة القدس كانت خيرا منها ـ مصلحيا وقتيا كاختبار ـ أو مثلها في أصل الاتجاه.
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...) ١٤٣.
آية وحيدة تحمل صيغة الأمة الوسط ، لا تشبهها إلّا آية الحج إلّا في لفظ الوسط : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ...) (٧٨).
فهذه وإن لم تحمل صيغة الوسط ، ولكنها تواصفه تفسيرا له أنهم هم الوسط بين الرسول والناس ، «وكذلك» التحويل للقبلة الأصيلة الى قبلة يهودية ، خروجا عن العنصرية والطائفية فيها ، كذلك العبدى المدى ، الوسيع الصدى ، البليغ الهدى من صبغة الإسلام وإسلام الصبغة (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ...) فما هو الوسط لهذه الأمة ، ومن هم المعنيون ب «كم أمة؟» أهم الوسط بين إفراط الحياة الجسدانية وتفريط الحياة الروحية ، حيث الوسط بينهما جامع لهما مهما كانت الحياة الروحية هي الأصيلة بينهما؟.
وهذا مهما كان صحيحا في نفسه ، ولكنه لا يناسب خلفيته الصريحة هنا : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) فإن هذه الوسطية تتطلب مرجعية الأمة الوسط لطرفي الإفراط والتفريط ، لا أن تكون شهيدة عليهم ، إلّا بمعني الرقابة على