العكس فإنّه مرغوب لكل من أسلم ، والكبيرة إلّا على الذين هدى الله ليست إلا القدس المتحول إليها من الكعبة ، فهذه من اللمحات اللمعات كصراحة أن القدس هي ثاني القبلتين.
و «نعلم» هنا هي من العلم العلامة ، كما تشهد له وحدة المفعول وللعلم مفعولان اثنان (١) ف (الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) وهي القدس ، جعلناها قبلة بديلة عن القبلة الأصيلة ، ردحا مؤقتا في بداية العهد المدني (ما جَعَلْنَا إِلَّا لِنَعْلَمَ ...) علامة واقعية ظاهرة باهرة ل (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) لى الله عليه وآله وسلم) حقا (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) جاهليا.
فلقد كانت العرب تعظّم البيت الحرام عربيا جاهليا ، ولمّا آمن منهم من آمن وكانت قبلتهم إسلاميا هي قبلة مجدهم القومي ، ولمّا يخلصوا ويتخلصوا عن آصرة القومية ، أراد الله منهم أن يتجردوا في قبلتهم ـ كما في كل شيء ـ إسلاميا ، تخليصا حثيثا من كل تعلقة بغير المنهج الإسلامي ، فابتلاهم في الفترة الأولى المدنية ـ وهم بين اليهود ـ أن يتحولوا إلى القدس (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) كرسول لا كعربي ، اتباعا مجردا من كل إيحاء غير إسلامي (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) صراحا أم نفاقا عارما من هؤلاء الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، أو لمّا ، فإن فيها رواسب من الجاهلية الجهلاء ، ليسوا ليستقبلوا قبلة اليهود ، تاركين بيت مجدهم القومي القديم! فإنه الآن على أشراف تأسيس دولة إسلامية ، لا تصلح لها إلا أعواد وأعضاد وأعماد صالحة ، خالصة عن كل نزعة غير إسلامية ، فليبتلوا بذلك البلاء العظيم ، ليعرف الغثّ من السمين والخائن من الأمين (وَإِنْ كانَتْ الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) «لكبيرة» ثقيلة (إِلَّا عَلَى
__________________
(١) في آيات عشر او تزيد نجد هذه الصيغة مصوغة من العلم لا العلم ، وفي الكل نجد مفعولا واحد لا يناسب العلم المتطلبة مفعولين ، فلا حاجة الى تعليلات عليلة لها.