الَّذِينَ هَدَى اللهُ) بما اهتدوا بهدى الله ، بعيدين عن كل هوى إلّا هوى الله وهدى الله ، و «إن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة هاهنا ومرة هاهنا» (١).
وهكذا تتجرد القلوب متخلصة من كل رواسب الجاهلية ووشائجها ، ومن كل سماتها القديمة ووصماتها ، ومن كل رغائبها الدفينة ، متعرية من كل رداء لبست في الجاهلية ولمّا تخلعها مهما ادعت خلعها ، فتنفرد هذه القلوب لشعار الإسلام وشعوره تاركة كلّ شعور وشعار لغير الإسلام.
إن العرب كانت تعتبر ـ ولا تزال ـ أن الكعبة المباركة هي بيت العرب المقدس ، والله يريد لها منهم ان تكون بيت الله المقدس «مثابة للناس وقياما للناس ـ (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) دون تميّز لقوم ، ولا تمييز بين عربي وأعجمي.
ومهما كان الانخلاع ـ وان مؤقتا ـ عن (أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) الذي رفع قواعده الخليل وعظّمه الجليل ـ مهما كان «كبيرة» لكنها على من لم يهدي الله (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ).
ثم وردّا على غيلة السفهاء من الناس ـ القائلة ـ : إذا فصلوات الذين صلّوا إلى الكعبة طيلة العهد المكي باطلة ـ إذا كانت القبلة هي القدس ـ أم وصلوات الذين صلوا إلى القدس باطلة حين حولت القبلة عنه إلى الكعبة المباركة ، وكما «قال رجال من المسلمين : وددنا لو علمنا من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة كيف بصلاتنا نحو بيت المقدس» فأنزل الله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). ١٤٣
هنا تسمى الصلاة نحو القبلة الشرعية ـ كعبة أو قدسا ـ إيمانا ، لأنها
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٤٦ ـ اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال : بلغني ان ناسا ...