قاعدة الإيمان وعمود الدين ، وأنها كانت بنزعة الإيمان ، فالذين صلوا نحو القدس تركا لبيت مجدهم القديم لم يصلوا نحوه إلّا إيمانا بالله واحتراما لأمر الله ، بل وصلاتهم أقرب إلى الله زلفى ممن صلوا من قبل ومن بعد إلى المسجد الحرام ، فكيف يضيع الله إيمانهم وهو الذي أمرهم باستقبالهم نحو القدس (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) فهل إن علامة اتباع الرسول ضائعة عند الله؟! ... هنا (إِلَّا لِنَعْلَمَ) هي ثاني التأشيرات بعد (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) تأييدا لكون القبلة المكية هي الكعبة المباركة ، حيث العلامة هذه تحصل في بداية الفترة المدنية ، دون حاجة الى هذه الطائلة المكية المزعومة بلا طائلة : أربعة عشر سنة ، فلو أنهم أمروا في العهد المكي باتجاه القدس ـ ولم تكن فيه يهود ليزدادوا ابتلاء بهم ـ لكان ذلك رادعا عن إسلامهم ، وهم قوم لدّ ليسوا ليؤمنوا بكل الجواذب والتبشيرات ، فكيف كان لهم ان يؤمنوا وهم يفاجئون في بزوغ الدعوة بترك القبلة المكية ، وما هو الداعي لتكون القبلة المكية هي القدس إلّا صدا عن دخولهم في دين الله بداية الدعوة؟ ثم ولم ينقل ولا مرة يتيمة أن جماعة من العرب امتنعوا عن الإسلام لأن قبلته متخلفة عن الكعبة المباركة ، ولا أنه كان يصلي إلى القدس في مكة متحولا عن الكعبة! ... ولو كانت القبلة في العهد المكي هي القدس لشملت قصتها الكتب وتواترت في الألسن ، ونقلت اعتراضات متواترة من عرب الحجاز على هذه القبلة!.
ثم وإن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله ان يبين متبع محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بها (١) لا يشبه حديث الحق ، فإن مجال مخالفة
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ١١٤ في كتاب الاحتجاج قيل يا ابن رسول الله فلم امر بالقبلة الاولى؟ فقال :لما قال عز وجل (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) وهي بيت المقدس (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ ـ