بعد ما بينّ الله حق وحدة الألوهية ووحدة الحب إليها لنفسه ، هنا يقرر حق التشريع له وحده ، مناحرا لما كان يفعله المشركون من تحليل او تحريم لا يرجع الى دليل :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ١٦٨.
الحلال فعال من الحلّ والحلّ مقابل العقد ، فالشيء غير المعقود ولا المحظور حلال ، سواء سبقه عقد الحظر أم لم يسبقه ، وليس للمأكول مما في الأرض سابق حظر كأصل ، إلّا انه لله ، فلا يحل اكله إلّا بمرضات الله ، وهو يحله في أمثال هذه الآية كأصل وضابطة عامة تحلّ الحظر عما يؤكل.
والطيب ـ هنا ـ هو كل ما تستطيبه النفس أكلا ، وطبعا النفس الباقية على الطبع الإنساني الأولى ، دون المنحرف عنه ، المنجرف الى دركات الحيونة الوحشية التي تستطيب أكل كل ما يمكن ابتلاعه ، مهما كان حشرة ، كما في الطباع الأوروبية المنحرفة عن إنسانيتها.
ثم هي النفوس ككل ، دون كل نفس ، فقد يستطاب أكل شيء عند أشخاص خصوص متخلفة عن الجماهير ، ام يستقذر كذلك ، والمعيار هو الاستطابة الجماهيرية بالطباع الأوّلية ، حيث الأحكام الشرعية يراعي في تشريعها جمهرة الناس دون الخواص.
أترى (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) تبعيض لمأكولات الأرض ، أن : كلوا بعض المأكولات ، ثم (حَلالاً طَيِّباً) بيان لذلك البعض؟ فهما ـ إذا ـ حالان ل (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) ام مفعولان ل «كلوا»؟ فالآية ـ إذا ـ مجملة بالنسبة ل «حلالا» إذ لم يبين الحلال مهما عرف «طيبا» بما تعرفناه!.