الأميين ، إذ لم تسبق لهم معرفة كتابية : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ) (٣ : ٢٠).
فالأمية قد تكون مطلقة وأخرى نسبة ، نسبة إلى علم الكتاب الرسالي بدرجاته ، و (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ) هنا ، تعني هذه النسبية ، فقد يكون بارعا في العلوم التجريبية ، ولكنه فارغ من العلوم الكتابية ، فهو ـ إذا ـ من الأميين ، كما الأمي الطليق منهم ، مهما اختلفت مسئولياتهم حسب مختلف أمياتهم.
(لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ) هي جمع أمنية ، وهي البغية الخيالية المتهوسة التي لا واقع لها حقا ، فقد يقرءون الكتاب وهم عن معانيه غافلون ، وهنا مسرح الأمنيات الفارغة من عند أنفسهم أو المستكبرين المحرفين الكلم عن مواضعه ، فهم حضور عند الألفاظ والقراآت ، غيّب عن المعاني والمرادات (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) فيما يتمنون من معان ، لا يسندون إلى علم او أثارة من علم إلّا (أَمانِيَّ) لأنفسهم ، أم تقاليد جاهلة عمياء.
إذا ف (إِلَّا أَمانِيَّ) استثناء منقطع ، حيث الأماني أمام الكتاب ليس علما بالكتاب في وجه من الوجوه ، فإن الأماني هي من الشيطان : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) فهي ـ ككل ـ تخيلات بعيدة عن الواقع الحق وعن حق الواقع ، بعيدة عن كتاب الله وعن كل شرعة الله!.
فالعلم الحجة من شرعة الله ، هو بين علم عن اجتهاد سليم ، ام علم عن تقليد سليم ، ثم لا ثالث (إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).
ولا يعني التقليد في شرعة الحق التنازل عن كل عقل وعلم ، إنما هو تفتيش عاقل عالم عمن يعقل تماما ويعلم شرعة الحق ، عالما عيلما أمينا على دينه ، صادرا عن شرعة الوحي الحق ، وواردا مورد الحق.