فلأن اليهود زعموا أنفسهم شعب الله المختار وأبناءه : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (٢ : ١١١) دعوى خاوية خالية عن أي برهان ، لذلك يختصون بأنفسهم الدار الآخرة ، ولكن البراهين تترى على بطلانها ومنها (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم ، نقلة من هذه الحياة الظالمة المظلمة ، الضيقة الكدرة ، إلى دار لقاء الله : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦٢ : ٦).
أترى أن تمني الموت هو من قضايا الايمان الخالص والدار الخالصة للموت من عند الله؟ والحياة الدنيا هي حياة الاستعداد للأخرى ، وهي مزرعة الآخرة! والتعرض للموت محرّم في شرعة الله! والفرار من بواعث الموت واجب في شرعة الله ، فكيف يصبح ـ إذا ـ تمني الموت من قضايا صدق القول إن لنا الدار الآخرة خالصة عند الله.
تمني الموت ليس هو ولا منه التعرض للموت ، فلا يتمنى ما بالإمكان تحصيله او التعرض له ، وإنما هو الترجي الصالح لأصلح الصالحين الذين هم من خلصاء الله والسابقين الى رضوانه ، وكما يروى عن علي (ع) «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امه» وسعن الصديقة الطاهرة عليها السلام : «اللهم عجل وفاتي سريعا» (١) ولأنهم موقنون بالسعادة الآتية ، راغبون في لقاء الله!.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ١٠٢ في الخصال عن أبي عبد الله (عليه السلام) سمعت أبي يحدث عن أبيه (عليهما السلام) ان رجلا قام الى امير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا امير المؤمنين بما عرفت ربك؟ قال : بفسخ العزائم ـ الى ان قال ـ : فيما ذا أحببت لقاءه؟ قال : لما رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت بان الذي اكرمني بهذا ليس ينساني فأجبت لقاءه. ـ