التسوية بين قبيلي الكفر في «ما يودّ» تنديدة شديدة بكفار أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بهذه الرسالة السامية ، ف «ما يودّ» فيهم ، لها صبغة عنصرية إسرائيلية و «ما يود» في المشركين ، لها صبغة الجهالة القاحلة ، المستبعدة في الأصل أن ينزل الوحي على بشر ، (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) دون حبس لها وقصر على أهواء أولاء وهؤلاء ، (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) دون ما يزعمونه من فضل محدّد محدود ، أم فضل عميم لا يختص بأحد ، وجوابا عن نسخ آية رسالية أو إنساءها :
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ١٠٦.
وهذه ـ في وجه ـ نظرية آية النحل (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١).
وقد تعني آية البقرة من «آية» ما هي أعم من آية النحل ، من آية تحمل حكما أو أحكاما ، إلى آية الرسالة في أصلها ، وآية : الرسول ، فهي ـ إذا ـ مثلث الآية دون اختصاص ببعضها ، والأنسب للمقام هما الأخيران ، إلّا أن يعنى من آية الحكم كل كتاب الوحي : القرآن ، الناسخ لما بين يديه في أحكام.
وعلى أية حال فلا تعني (أَوْ نُنْسِها) ـ فيما تعني ـ إنساء آية عن خاطر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مهما كانت منسوخة الحكم (١) ، إذ سبقتها مكية كافلة لعدم
__________________
(١). ومن الاسرائيليات المختلقة الزور هنا ما في الدر المنثور ١ : ١٠٤ ـ اخرج جماعة عن ابن عباس قال : كان مما ينزل على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الوحي بالليل وينساه بالنهار فانزل الله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) وفيه عن قتادة قال : كانت الآية تنسخ الآية وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة وما شاء الله من السورة ثم ترفع فينسها الله نبيه فقال الله يقص على نبيه : ما ننسخ ...