«أمره» يعم التكوين والتشريع ، اللذين لم يكونا حاضرين حالا فيحضران استقبالا.
ويا لمقابلة أسوء السوء بالحسن لعلّهم يرتدعون ام يهتدون ، وليعلموا ان الله يردع المؤمنين عن قتالهم وهم أقوياء أمام هؤلاء الضعفاء الأغوياء ، الذين جمعوا كل شر وضرّ في ذوات أنفسهم :
(وَدَّ ... لَوْ يَرُدُّونَكُمْ ... حَسَداً ... مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ...)! والحسد هو ذلك الانفعال الأسوء الأسود الرديء الذي فاضت به نفوس اليهود تجاه الأمة المسلمة وما زالت تفيض ، منبعثة منه كل دسائسهم وتدابيرهم اللئيمة في كل دوائر السوء ضد الأمة المرحومة ، وقد كشف القرآن لنا منها لنعرفه فنحذرهم ، وقد يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «إن لنعم الله أعداء ، قيل وما أولئك؟ قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» (١).
وهنا ـ في الوقت الذي تتجلى للمؤمنين هذه الشكيمة اليهودية ـ يدعو القرآن أتباعه إلى الارتفاع عن المقابلة بالمثل ، توجها الى الصفح والعفو (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) آمرا لهم بالمضي في طريقتهم المختارة :
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ١١٠.
فلا يزعزعهم ذلك الخطر الحادق عن ركني الايمان عمليا : إقام الصلاة وإيتاء الزكوة ، وبصورة عامة تقديم كل خير عقائدي وعملي لهذه الأنفس الطيبة المطمئنة بالله ، الناظرة لأمر الله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٣ : ٢٣٧.