لا يدرى ألرحمة ظهرت أم لعذاب. فأحبّ النّبيّ أن تفزع أمّته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ، ليصرف عنهم شرّها ويقيهم (١) مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس حين تضرّعوا إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) : إيمان كلّ من في الأرض مشيئة حتم.
(لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ) : بحيث لا يشذّ منهم أحد.
(جَمِيعاً) : مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه. ولكن ـ حينئذ ـ يفوتهم استحقاق الثّواب ، وينافي فائدة التّكليف.
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٩٩).
وترتيب الإكراه على المشيئة «بالفاء» وإيلاؤها حرف الاستفهام ، للإنكار.
وتقديم الضّمير على الفعل ، للدّلالة على أنّ شأن النّبيّ ـ أيضا ـ التّبليغ لا الإكراه للجمع على الإيمان ، فإنّه لا يمكنه.
وفي كتاب التّوحيد (٢) : أبي قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : اجعلوا أمركم لله ، ولا تجعلوه للنّاس. فإنّه ما كان لله ، فهو لله ـ عزّ وجلّ ـ. وما كان للنّاس ، فلا يصعد إلى الله. لا تخاصموا النّاس لدينكم ، فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ). وقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). ذروا النّاس ، فإنّ النّاس أخذوا عن النّاس ، وأنّكم أخذتم عن رسول الله. وأنّي سمعت أبي يقول : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطّير إلى وكره.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : إلّا بإرادته وألطافه وتوفيقه. فلا تجهد نفسك في هداها ، فإنّه إلى الله.
(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) : العذاب. أو الخذلان ، فإنّه سببه.
وقرئ (٣) ، بالزّاء.
وقرأ (٤) ابو بكر : «ونجعل» بالنّون.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ويقيها.
(٢) التوحيد / ٤١٤ ، ح ١٣.
(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٨.