فقال له : ويحك ، إنّ يعقوب النّبيّ ـ عليه السّلام ـ كان له اثنا عشر ابنا ، فغيّب الله عنه واحدا منهم ، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه [وشاب رأسه من الحزن] (١) واحدودب وقوّست ظهره من الغمّ ، وكان ابنه حيّا في الدّنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني؟!
عن محمّد بن سهل البحرانيّ (٢) ، يرفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : البكّاؤون خمسة : آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ. فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خدّيه أمثال الأودية ، وأمّا يعقوب فبكى على يوسف حتّى ذهب بصره حتّى قيل له : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ).
وفي كتاب الاحتجاج (٣) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين (٤) بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فأمّا يعقوب قد صبر على فراق ولده حتّى كاد يحرض من الحزن.
قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ، وقد كان حزن يعقوب حزنا بعده تلاق ، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبض ولده إبراهيم قرّة عينه في حياته منه ، وخصّه بالاختيار ليعظم له الادخار ، فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «تحزن النّفس ويجزع القلب ، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون ، ولا نقول ما يسخط الرّب» في كلّ ذلك يؤثر الرّضا عن الله ـ عزّ وجلّ ـ والاستسلام له في جميع الفعال.
(قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي) : همّي الّذي لا أقدر الصّبر عليه. من البثّ بمعنى : النّشر.
(إِلَى اللهِ) : لا إلى أحد منكم ومن غيركم ، فخلّوني وشكايتي.
(وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) : من صنعه ورحمته ، فإنّه لا يخيب داعيه ولا يدع الملتجئ إليه. أو من الله بنوع من الإلهام.
(ما لا تَعْلَمُونَ) (٨٦) : من حياة يوسف.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الخصال ١ / ٢٧٢. ح ١٥.
(٣) الإحتجاج ١ / ٣١٩.
(٤) أ ، ب : الحسن.