وعن ابن كثير (١) : «ولأدراكم» بلام التّأكيد ، أي : لو شاء الله ما تلوته عليكم ، ولأعلمكم به على لسان غيري. والمعنى : أنّه الحقّ الّذي لا محيص عنه ، لو لم أرسل به لأرسل به غيري.
وقرئ (٢) : «ولا أدرأتكم» بالهمزة فيهما ، على لغة من يقلب المبدّلة من الياء همزة. أو على أنّه من الدّرء ، بمعنى : الدّفع ، أي : ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرؤونني بالجدال. والمعنى : أنّ الأمر بمشيئة الله لا بمشيئتي حتى أجعله على نحو ما تشتهونه. ثمّ قرّر ذلك بقوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) : مقدار عمر أربعين سنة.
(مِنْ قَبْلِهِ) : من قبل القرآن ، لا أتلوه ولا أعلمه. فإنّه إشارة إلى أنّ القرآن معجز خارق للعادة. فإنّ من عاش بين أظهرهم أربعين سنة ، ولم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشئ قريضا ولا خطبة ، ثمّ قرأ عليهم كتابا بزّت (٣) فصاحته كلّ منطيق وعلا كلّ منثور ومنظوم واحتوى على قواعد علمي الأصول والفروع وأعرب عن أقاصيص الأوّلين وأحاديث الآخرين على ما هي عليه ، علم أنّه معلّم من الله.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦)» ، أي : أفلا تستعملون عقولكم بالتّدبّر والتّفكّر ، لتعلموا أنّه ليس إلّا من الله.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) : تفاد ممّا أضافوه إليه كناية أو تظليم للمشركين بافترائهم على الله في قولهم : إنّه لذو شريك وذو ولد.
(أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) : فكفر بها.
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١٧) (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) : لأنّه جماد لا يقدر على نفع ولا ضرّ. والمعبود ينبغي أن يكون مثيبا ومعاقبا ، حتّى يعود عليه بجلب نفع أو دفع ضرر.
(وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) : الأوثان.
(شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) : تشفع لنا فيما يهمّنا من أمر الدّنيا أو في الآخرة إن يكن بعث ، وكأنّهم كانوا شاكّين فيه.
وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة الموجد الضّار النّافع إلى عبادة ما يعلم قطعا أنّه لا يضرّ ولا ينفع ، على توهّم أنّه ربّما يشفع لهم عنده.
__________________
(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٢.
(٣) بزّ : غلب.