وفي كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى ابن أبي عمير : عن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : أمّا قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) فإنّما قال ليكون أحرص لموسى على الذّهاب ، وقد علم الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى إلّا عند رؤية البأس. ألّا تسمع الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فلم يقبل الله إيمانه. وقال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
وفي عيون الأخبار (٢) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل : لأي علّة غرّق الله ـ تعالى ـ فرعون ، وقد آمن به وقد أقرّ بتوحيده؟
قال : لأنّه آمن عند رؤية البأس ، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول ، وذلك حكم الله ـ تعالى ذكره ـ [في السّلف والخلف. قال الله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ]) (٣) (إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فقيل له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).
وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد قد لبسه على بدنه. فلمّا غرق ، ألقاه الله ـ تعالى ـ على نجوة (٤) من الأرض [ببدنه] (٥) ليكون لمن بعده علامة. فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض ، وسبيل الثّقل أن يرسب ولا يرتفع ، فكان ذلك آية وعلامة. ولعلّة أخرى أغرقه الله ـ عزّ وجلّ ـ وهي أنّه استغاث بموسى لمّا أدركه الغرق ، ولم يستغث بالله. فأوحى الله إليه : يا موسى ، لم تغث (٦) فرعون لإنّك لم تخلقه. ولو استغاث مجيب (٧) بي ، لأغثته.
(آلْآنَ) : أتؤمن الآن وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار.
__________________
(١) علل الشرايع / ٦٧ ، ح ١.
(٢) العيون ٢ / ٧٦ ، ح ٧.
(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ ، ب ، ر.
(٤) النجوة : ما ارتفع من الأرض.
(٥) من المصدر.
(٦) المصدر : ما أعنت.
(٧) ليس في المصدر.