والكلّيّة الإلهية لها خمس قوى : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعزّ في ذلّ ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء. ولها خاصّيتان : الرّضا والتّسليم. وهذه هي الّتي مبدؤها من الله وإليه تعود ، قال الله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي). وقال ـ تعالى ـ : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً). والعقل وسط الكلّ.
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠).
بتأكيدين ، للمبالغة في التّعميم ، ومنع التّخصيص.
وقيل (١) : أكدّ «بالكلّ» للإحاطة ، و «بأجمعين» للدّلالة على أنّهم سجدوا مجتمعين دفعة. واعترض بأنّه لو كان الأمر كذلك ، كان الثّاني حالا لا تأكيدا (٢).
(إِلَّا إِبْلِيسَ) : إن جعل منقطعا اتّصل به قوله : (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣١) ، أي : ولكنّ إبليس أبى. وإن جعل متّصلا كان استئنافا ، على أنّه جواب سائل قال : هل سجد؟
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ) ، أي : أيّ شيء عرض لك في أن لا تكون (مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣٢) : لآدم ـ عليه السّلام ـ.
(قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) «الّلام» لتأكيد النّفي ، أي : لا يصحّ منّي وينافي حالي أن أسجد (لِبَشَرٍ) : جسمانيّ كثيف ، وأنا ملك روحانيّ.
(خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٣٣) : وهو أخسّ العناصر ، وخلقتني من نار وهي أشرفها. استنقص آدم باعتبار الأصل ، غرّته الحميّة وغلبت عليه الشّقوة. وقد سبق الجواب في سورة الأعراف.
(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) : من المنزلة الّتي أنت عليها من السّماء. أو زمرة الملائكة.
(فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) (٣٤) : مطرود من رحمة الله والكرامة ، فإنّ من يطرد يرجم بالحجر.
في كتاب معاني الأخبار (٣) ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : سمعت أبا الحسين ، عليّ بن محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ يقول : معنى الرّجيم : أنّه
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤١.
(٢) يعني : يجب أن يكون «أجمعين» منصوبا بالحاليّة ، لا مرفوعا بأنّه تأكيد.
(٣) المعاني / ١٣٩ ، ح ١.