ولا ينافي ذلك ـ أيضا ـ تعجّب سارة حين وقوع البشارة بقولها : (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) لجواز ظنّها حينئذ كون الولد واستبشارها به ، وإن لم يكن ظنّها موافقا للواقع.
(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) : تعجّب من أنّ يولد له مع مسّ الكبر إيّاه ، وإنكار لأن يبشّر به في مثل هذه الحال ، وكذلك قوله : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (٥٤) ، أي : فبأيّ أعجوبة تبشّروني. أو فبأيّ شيء تبشّروني ، فإنّ البشارة ممّا لا يتصوّر وقوعه عادة بغير شيء.
وقرأ (١) ابن كثير ، بكسر النّون مشدّدة ، في كلّ القرآن ، على إدغام نون الجمع في نون الوقاية. ونافع ، بكسرها مخفّفة ، على حذف نون الجمع استثقالا ، لاجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء.
(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) ، أي : بما يكون لا محالة. أو باليقين الّذي لا لبس فيه.
أو بطريقة هي حقّ ، وهو قول الله وأمره.
(فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) (٥٥) : من الآيسين من ذلك ، فإنّه ـ تعالى ـ قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين ، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر. وكان استعجاب إبراهيم ـ عليه السّلام ـ باعتبار العادة دون القدرة ، ولذلك (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (٥٦) ، أي : المخطئون طريق المعرفة ، فلا يعرفون سعة رحمه الله ـ تعالى ـ وكمال علمه وقدرته ، كما قال : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).
وقرأ (٢) أبو عمرو والكسائيّ «يقنط» بالكسر.
وقرئ (٣) ، بالضّمّ ، وماضيهما «قنط» بالفتح.
وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن صفّوان الجمال قال : صلّيت خلف أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فأطرق ، ثمّ قال : اللهم (٥) ، لا تقنطني من رحمتك.
ثمّ قال : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).
وفي كتاب التّوحيد (٦) ، بإسناده إلى معاذ بن جبل ، حديث طويل : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول فيه : قال الله : يا ابن آدم ، بإحساني إليك قويت على
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٣.
(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.
(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٧ ، ح ٢٧.
(٥) كذا في ب ، المصدر. وفي النسخ : الله.
(٦) التوحيد / ٣٤٤ ، ح ١٣.