طاعتي ، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي.
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) (٥٧) ، أي : فما شأنكم الّذي أرسلتم لأجله سوى البشارة.
ولعلّه علم أنّ كمال المقصود ليس البشارة ، لأنّهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى العدد ، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكرياء ومريم ـ عليهما السّلام ـ. أو لأنّهم بشّروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ، ولو كانت تمام المقصود لابتدؤوا بها.
(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (٥٨) ، يعني : قوم لوط.
(إِلَّا آلَ لُوطٍ) : إن كان استثناء من «قوم» كان منقطعا (١) إذ القوم مقيّد بالإجرام ، وإن كان استثناء من الضّمير في «مجرمين» كان متّصلا ، والقوم والإرسال شاملين للمجرمين ، وآل [لوط المؤمنين به. وكأنّ المعنى : إنّا أرسلنا إلى قوم أجرم كلّهم إلّا أنّ آل] (٢) لوط منهم ، لنهلك المجرمين وننجّي آل لوط. ويدلّ عليه قوله : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٩) ، أي : ممّا نعذّب به القوم. وهو استئناف إذا اتّصل الاستثناء ، ومتّصل «بآل لوط» جار مجرى خبر لكن إذا انقطع. وعلى هذا جاز أن يكون قوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) : استثناء من «آل لوط» أو من ضميرهم ، وعلى الأوّل لا يكون إلّا من ضميرهم لاختلاف الحكمين ، اللهم إلّا أن يجعل (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) اعتراضا.
وقرأ (٣) حمزة والكسائي : «لمنجوهم» مخفّفا.
(قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٦٠) : الباقين مع الكفرة لتهلك معهم.
وقرأ (٤) أبو بكر : «قدرنا» هاهنا وفي النّمل بالتّخفيف ، وإنّما علّق والتّعليق من خواصّ أفعال القلوب لتضمّنه معنى العلم. ويجوز أن يكون «قدّرنا» اجري مجرى «قلنا» ، لأنّ التّقدير بمعنى القضاء ، وأصله جعل الشّيء على مقدار غيره. وإسنادهم إيّاه إلى
__________________
(١) لأن «آل لوط» لم يكونوا مجرمين ، والمستثنى منه القوم المجرمون فيكون المعنى : إنا مرسلون إلى الجماعة المجرمين إلّا آل لوط فإنا نرسل إليهم فيكون آل لوط داخلا في الجماعة المجرمين حتى يمكن إخراجهم بالاستثناء وأمّا إذا كان مستثنى من ضمير «مجرمين» يكون استثناء آل لوط من المتصفين بالاجرام فالاستثناء يفيد عدم اتصافهم به إذ المعنى : جماعة متصفة بالاجرام جميعهم إلّا آل لوط.
(٢) ليس في أ.
(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.