وفي تفسير العيّاشي : عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : جاء أبيّ بن خلف (١) فأخذ عظما باليا من حائط ففتّه (٢) ، ثمّ قال : يا محمّد (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً). فأنزل الله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (٥٠) (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قيل (٣) : أي : ممّا يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها ، فإنّ قدرته ـ تعالى ـ لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض ، فكيف إذا كنتم عظاما مرفوته وقد كانت غضّه موصوفة بالحياة قبل ، والشّيء أقبل لما عهد فيه ممّا لم يعهد.
وفي تفسير (٤) عليّ بن إبراهيم (٥) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه
__________________
(١) أبيّ بن خلف من مشركي مكّة واعداء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو الّذي قال له ـ صلى الله عليه وآله ـ يوما بمكّة : إنّ عندي فرسا أعلفه كلّ يوم فرقا ـ وهو مكيال ـ من ذرة أقتلك عليه.
فقال له رسول الله : بل أنا أقتلك ـ إن شاء الله.
فكان من قصّته : أنّه خرج إلى المدينة مع من خرج لحرب المسلمين في وقعة أحد ، فلمّا هزم المسلمون وبقي مع رسول الله (ص) من بقي أدركه ابيّ بن خلف وهو يقول : أين محمّد ، لا نجوت إن نجوت؟ فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا؟ قال : دعوه. فلمّا دنا تناول (ص) حربة رجل من أصحابه ، وهو الحارث بن الصّمّة ، ثمّ استقبله فطعنه في عنقه طعنة تحرّك منها عن فرسه مرارا ، فرجع إلى قريش وهو يخور ، كما يخور الثور ، وقد خدش في عنقه خدشا غير كبير ، فاحتقن الدّم وقال : قتلني ، والله ، محمّد. قالوا : ذهب ، والله فؤادك ، والله ، ما بك بأس! قال : لو كانت الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم ، أليس أنّه قد كان بمكّة قال لي : أنا أقتلك؟ فو الله ، لو بصق بعد تلك المقالة لقتلني. فلم يلبث إلّا يوما أو بعض يوم حتى مات. فقيل : مات بسرف ، وهو موضع على ستّة أميال من مكّة. وفي ذلك يقول حسان بن ثابت الأنصاريّ شاعر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ :
لقد ورث الضّلالة من أبيه |
|
أبيّ حين بارزه الرسول |
أتيت إليه تحمل منه عضوا |
|
وتوعده وأنت به جهول |
وفي نسخة :
[أجئت محمّدا عظيما رميما |
|
لتكذبه وأنت به جهول] |
وقد نالت بنو النّجّار منكم |
|
أميّة إذ يغوث يا عقيل |
إلى آخر الأبيات.
راجع ديوانه ص : ٣٤٠ ط مصر.
(٢) فتّ الشيء : دقّه وكسره بالأصابع.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٧.
(٤) يوجد في النسخ هنا زيادة : العيّاشي.
(٥) تفسير القمّي ٢ / ٢١.