(وَإِذْ قُلْنا لَكَ) : واذكر إذ أوحينا إليك.
(إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) : فهم في قبضة قدرته. أو أحاط بقريش ، بمعنى : أهلكهم ، من : أحاط بهم العدوّ ، فهو بشارة بوقعة بدر ، والتّعبير بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.
(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ).
قيل (١) : ليلة المعراج ، وتعلّق به من قال : إنّه كان في المنام ، ومن قال : إنّه كان في اليقظة ، فسرّ الرّؤيا بالرّؤية. أو عام الحديبية حين رأى أنّه دخل مكّة ، وفيه أنّ الآية مكّيّة ، إلّا أن يقال : رآها بمكّة وحكاها حينئذ.
وقيل (٢) : لعلّ رؤيا رآها في وقعة بدر ، لقوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) ، ولما نقل : أنّه لمّا ورد ماءه قال : والله ، لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم ، هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان. فتسامعت به قريش ، واستسخروا منه.
وقيل : (٣) رأى قوما من بني أميّة يرقون منبره وينزون (٤) عليه نزو القردة ، فقال : هو حظّهم من الدّنيا يعطونه بإسلامهم.
وفي الأخبار عن الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ما يوافق هذا القول ، كما سيأتي.
وعلى هذا كان المراد بقوله : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) : ما حدث في أيّامهم من الابتلاء.
(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) : عطف على «الرّؤيا» وهي شجرة الزّقّوم.
لمّا سمع المشركون ذكرها قالوا : إنّ محمّدا يزعم أنّ الجحيم تحرق الحجارة ، ثمّ يقول : ينبت فيها الشّجر. ولم يعلموا أنّ من قدر أن يحمي وبر السّمندل من أن تأكله النّار ، وأحشاء النّعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر الّتي تبتلعها ، قدر أن يخلق في النّار شجرة لا تحرقها. (٥) ولعنها في القرآن لعن طاعميها ، وصفت به على المجاز للمبالغة. أو وصفها بأنّها في أصل الجحيم ، فإنّه أبعد مكان من الرّحمة. أو بأنّها مكروهه مؤذية ، من قولهم : طعام
__________________
(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٩ ـ ٥٩٠.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) نزا : وثب.
(٥) طائر بالهند لا يحترق بالنّار فيما زعموا. ونسيج من ريش بعض الطيور لا يحترق.